والحقّ أنّ القاعدة الأوّليّة هي التساقط ، وعليه أساتذتنا المحقّقون ، (١) وإن دلّ الدليل من الأخبار على التخيير ـ كما سيأتي ـ (٢). ونحن نتكلّم في القاعدة بناء على المختار من أنّ الأمارات مجعولة على نحو الطريقيّة. ولا حاجة للبحث عنها بناء على السببيّة. فنقول :

إنّ الدليل الذي يوهم لزوم التخيير هو أنّ التعارض لا يقع بين الدليلين ، إلاّ إذا كان كلّ منهما واجدا لشرائط الحجّيّة ، ـ كما تقدّم في شروط التعارض ـ ، (٣) والتعارض أكثر ما يوجب سقوط أحدهما (٤) غير المعيّن عن الحجّيّة الفعليّة ؛ لمكان التكاذب بينهما ، فيبقى الثاني غير المعيّن على ما هو عليه من الحجّيّة الفعليّة واقعا ، ولمّا لم يمكن تعيينه ـ والمفروض أنّ الحجّة الفعليّة منجّزة للتكليف يجب العمل بها ـ فلا بدّ من التخيير بينهما.

والجواب : أنّ التخيير المقصود إمّا أن يراد به التخيير من جهة الحجّيّة ، أو من جهة الواقع : فإن كان الأوّل فلا معنى لوجوب التخيير بين المتعارضين ؛ لأنّ دليل الحجّيّة الشامل لكلّ منهما في حدّ نفسه إنّما مفاده حجّيّة أفراده على نحو التعيين ، لا حجّيّة هذا أو ذاك من أفراده لا على التعيين ، حتى يصحّ أن يفرض أنّ أحدهما غير المعيّن حجّة يجب الأخذ به فعلا ، فيجب التخيير في تطبيق دليل الحجّيّة على ما يشاء منهما.

وبعبارة أخرى : إنّ دليل الحجّيّة الشامل لكلّ منهما في حدّ نفسه إنّما يدلّ على وجود المقتضي للحجّيّة في كلّ منهما لو لا المانع ، لا فعليّة الحجّيّة. ولمّا كان التعارض يقتضي تكاذبهما ، فلا محالة يسقط أحدهما غير المعيّن عن الفعليّة ، أي يكون كلّ منهما مانعا عن فعليّة حجّيّة الآخر. وإذا كان الأمر كذلك فكلّ منهما لم تتم فيه مقوّمات الحجّيّة الفعليّة ليكون منجّزا للواقع يجب العمل به ، فلا يكون أحدهما غير المعيّن يجب الأخذ به فعلا ،

__________________

(١) فرائد الأصول : ٧٦٠ و ٧٦٢ ؛ كفاية الأصول : ٤٩٩ ؛ فوائد الأصول ٤ : ٧٢٦ و ٧٥٥ ؛ نهاية الأفكار ٤ «القسم الثاني» : ١٧٤.

(٢) سيأتي في الصفحات : ٥٦٣ ـ ٥٧٦.

(٣) راجع الصفحة : ٥٤٥.

(٤) أي : التعارض أكثر ما يوجبه هو سقوط أحدهما .... فقوله : «أكثر ما يوجب» مبتدأ ، وخبره «سقوط». والجملة خبر «التعارض».

۶۸۸۱