منها : الحديث المأثور عن معاذ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه قاضيا إلى اليمن ، وقال له فيما قال : «بما ذا تقضي إذا لم تجد في كتاب الله ، ولا في سنّة رسول الله؟» قال معاذ : أجتهد رأيي ، ولا آلوا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله». (١)

قالوا : قد أقرّ النبيّ الاجتهاد بالرأي. واجتهاد الرأي لا بدّ من ردّه إلى أصل ، وإلاّ كان رأيا مرسلا ، والرأي المرسل غير معتبر. فانحصر الأمر بالقياس.

والجواب : أنّ الحديث مرسل لا حجّية فيه ؛ لأنّ راويه هو الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة ، رواه عن أناس من أهل حمص.

ثمّ الحارث هذا نفسه مجهول لا يدري أحد من هو؟ ولا يعرف له غير هذا الحديث.

ثمّ إنّ الحديث معارض بحديث آخر في نفس الواقعة ؛ إذ جاء فيه : «لا تقضينّ ، ولا تفضّلنّ إلاّ بما تعلم. وإن أشكل عليك أمر فقف حتى تتبيّنه ، أو تكتب إليّ». فأجدر بذلك الحديث أن يكون موضوعا على الحارث ، أو منه.

مضافا إلى أنّه لا حصر فيما ذكروا ، فقد يراد من الاجتهاد بالرأي استفراغ الوسع في الفحص عن الحكم ، ولو بالرجوع إلى العمومات ، أو الأصول. ولعلّه يشير إلى ذلك قوله : «ولا آلو».

ومنها : حديث الخثعميّة التي سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قضاء الحجّ عن أبيها الذي فاتته فريضة الحجّ : أينفعه ذلك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله لها : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟» قالت : نعم. قال : «فدين الله أحقّ بالقضاء» (٢).

قالوا : فألحق الرسول دين الله بدين الآدميّ في وجوب القضاء ، وهو عين القياس. (٣)

والجواب : أنّه لا معنى للقول بأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أجرى القياس في حكمه بقضاء الحجّ ، وهو المشرّع المتلقّي الأحكام من الله (تعالى) بالوحي ، فهل كان لا يعلم بحكم قضاء الحجّ ،

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٦٠.

واستدلّ به في نهاية السئول ٤ : ١٦. وتعرّض له وللإجابة عليه الشوكانيّ في إرشاد الفحول : ٢٠٢.

(٢) كنز العمال ٥ : ١٢٣.

(٣) هذا الدليل أيضا تعرّض له وللإجابة عليه الشوكانيّ في إرشاد الفحول : ٢٠٣.

۶۸۸۱