تامّة يدور معها الحكم أينما دارت. والثاني : أن نعلم بوجودها في المقيس.

والخلاصة أنّ القياس في نفسه لا يفيد العلم بالحكم ؛ لأنّه لا يتكفّل ثبوت الملازمة بين حكم المقيس عليه وحكم المقيس. ويستثنى منه منصوص العلّة بالشرطين اللذين تقدّما. وفي الحقيقة أنّ منصوص العلّة ليس من نوع القياس ، كما سيأتي بيانه (١). وكذلك قياس الأولويّة.

ولأجل أن يتّضح الموضوع أكثر ، نقول : إنّ الاحتمالات الموجودة في كلّ قياس خمسة (٢) ، ومع هذه الاحتمالات لا تحصل الملازمة بين حكم الأصل وحكم الفرع ، ولا يمكن رفع هذه الاحتمالات إلاّ بورود النصّ من الشارع ، والاحتمالات هي [كما تأتي] :

١. احتمال أن يكون الحكم في الأصل معلّلا عند الله (تعالى) بعلّة أخرى غير ما ظنّه القائس ، بل يحتمل (٣) على مذهب هؤلاء ألاّ يكون الحكم معلّلا عند الله (تعالى) بشيء أصلا ؛ لأنّهم لا يرون الأحكام الشرعيّة معلّلة بالمصالح والمفاسد وهذا من مفارقات آرائهم ، فإنّهم إذا كانوا لا يرون تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، فكيف يؤكّدون تعليل الحكم الشرعيّ في المقيس عليه بالعلّة التي يظنّونها؟! بل كيف يحصل لهم الظنّ بالتعليل؟!

٢. احتمال أنّ هناك وصفا آخر ينضمّ إلى ما ظنّه القائس علّة ، بأن يكون المجموع منهما هو العلّة للحكم ، لو فرض أنّ القائس أصاب في أصل التعليل.

٣. احتمال أن يكون القائس قد أضاف شيئا أجنبيّا إلى العلّة الحقيقيّة لم يكن له دخل في الحكم في المقيس عليه.

٤. احتمال أن يكون ما ظنّه القائس علّة ـ إن كان مصيبا في ظنّه ـ ليس هو الوصف المجرّد ، بل بما هو مضاف إلى موضوعه ـ أعني «الأصل» ـ لخصوصيّة فيه.

مثال ذلك ، لو علم بأنّ الجهل بالثمن علّة موجبة شرعا في فساد البيع ، وأراد أن يقيس على البيع عقد النكاح إذا كان المهر فيه مجهولا ؛ فإنّه يحتمل أن يكون الجهل بالعوض ، الموجب لفساد البيع هو الجهل بخصوص العوض في البيع ، لا مطلق الجهل بالعوض من

__________________

(١) يأتي في الصفحة : ٥٣٦.

(٢) بل هي ستّة ، كما في المستصفى ٢ : ٢٧٩.

(٣) وهذا احتمال آخر ذكره الغزالي مستقلاّ في المستصفى ٢ : ٢٧٩.

۶۸۸۱