شعواء لا هوادة (١) فيها على أهل الرأي وقياسهم ما وجدوا للكلام متّسعا. ومناظرات الإمام الصادق عليه‌السلام معهم معروفة ، لا سيّما مع أبي حنيفة ، وقد رواها حتى أهل السنّة ، إذ قال له ـ فيما رواه ابن حزم ـ : «اتّق الله ولا تقس ؛ فإنّا نقف غدا بين يدي الله ، فنقول : قال الله ، وقال رسوله ، وتقول أنت وأصحابك : سمعنا ورأينا». (٢)

والذي يبدو أنّ المخالفين لآل البيت عليهم‌السلام ـ الذين سلكوا غير طريقهم ، ولم يعجبهم أن يستقوا من منبع علومهم ـ أعوزهم العلم بأحكام الله ، وما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالتجئوا إلى أن يصطنعوا (٣) الرأي والاجتهادات الاستحسانيّة للفتيا والقضاء بين الناس ، بل حكموا الرأي والاجتهاد حتى فيما يخالف النصّ ، أو جعلوا ذلك عذرا مبرّرا لمخالفة النصّ ، كما في قصّة تبرير الخليفة الأوّل لفعلة خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة ، وقد خلا بزوجته ليلة قتله ، فقال عنه : «إنّه اجتهد فأخطأ!!؟» ، وذلك لمّا أراد الخليفة عمر بن الخطّاب أن يقاد به ، ويقام عليه الحدّ. (٤)

وكان الرأي والقياس غير واضح المعالم عند من كان يأخذ به من الصحابة والتابعين ، حتى بدأ البحث فيه لتركيزه وتوسعة الأخذ به في القرن الثاني على يد أبي حنيفة وأصحابه. (٥) ثمّ بعد أن أخذت الدولة العبّاسيّة تساند أهل القياس ، وبعد ظهور النقّاد له ، انبرى جماعة من علمائهم لتحديد معالمه ، وتوسيع أبحاثه ، ووضع القيود ، والاستدراكات

__________________

(١) شنّوا أي : صبّوا.

شعواء أي : متفرّقة ممتدّة.

الهوادة : ما يرجي به الصلاح بين القوم. والمحاباة.

فمعنى العبارة : بل صبّوا على أهل الرأي وقياسهم مقاتلة متفرّقة ممتدّة لم يكن فيها ما يرجى به الصلاح.

صبّوا عليهم في هذه المقاتلة ما وجدوا للكلام متّسعا.

(٢) ملخّص إبطال القياس : ٧١.

(٣) أي : أن يختاروا.

(٤) راجع الغدير ٧ : ١٥٨.

(٥) قال ابن حزم في كتاب «ملخّص إبطال القياس : ٥» : «ثمّ حدث القياس في القرن الثاني». وقال في كتابه «الإحكام عن أصول الأحكام ٧ : ١٧٧» : «إنّه بدعة حدثت في القرن الثاني ، ثمّ فشا وظهر في القرن الثالث».

۶۸۸۱