غيرهم ، وإن أوهم بعض عباراتهم ذلك ؛ لعدم التمييز بين نقاط البحث.

وإذا عرفت ذلك تعرف أنّ الخلط في المقصود من إدراك العقل النظريّ ، وعدم التمييز بين ما يدركه من الأحكام ابتداء وما يدركه منها بتوسّط الملازمة ، هو سبب المحنة في هذا الاختلاف ، وسبب المغالطة التي وقع فيها بعضهم ؛ إذ نفى مطلقا إدراك العقل لحكم الشارع ، وحجّيّته ، قائلا : «إنّ أحكام الله توقيفيّة لا مسرح للعقول فيها» ، وغفل عن أنّ هذا التعليل إنّما يصلح لنفي إدراكه للحكم ابتداء وبالاستقلال ، ولا يصلح لنفي إدراكه للملازمة المستتبع لعلمه بثبوت اللازم ، وهو الحكم.

٣. هذا كلّه إذا أريد من العقل «العقل النظريّ».

وأمّا : لو أريد به «العقل العمليّ» فكذلك لا يمكن أن يستقلّ في إدراك أنّ هذا ينبغي فعله عند الشارع أو لا ينبغي ، بل لا معنى لذلك ؛ لأنّ هذا الإدراك وظيفة العقل النظريّ ؛ باعتبار أنّ كون هذا الفعل ينبغي فعله عند الشارع بالخصوص أو لا ينبغي ، من الأمور الواقعيّة التي تدرك بالعقل النظريّ ، لا بالعقل العمليّ ، وإنّما كلّ ما للعقل العمليّ من وظيفة هو أن يستقلّ بإدراك أنّ هذا الفعل في نفسه ممّا ينبغي فعله أو لا ينبغي ، مع قطع النظر عن نسبته إلى الشارع المقدّس ، أو إلى أيّ حاكم آخر ، يعني أنّ العقل العمليّ يكون هو الحاكم في الفعل ، لا حاكيا عن حاكم آخر.

وإذا حصل للعقل العمليّ هذا الإدراك جاء العقل النظريّ عقيبه ، فقد يحكم بالملازمة بين حكم العقل العمليّ وحكم الشارع ، وقد لا يحكم. ولا يحكم بالملازمة إلاّ في خصوص مورد مسألة التحسين والتقبيح العقليّين ، أي خصوص القضايا المشهورات التي تسمّى «الآراء المحمودة» ، والتي تطابقت عليها آراء العقلاء كافّة بما هم عقلاء.

وحينئذ ـ بعد حكم العقل النظريّ بالملازمة ـ يستكشف حكم الشارع على سبيل القطع ؛ لأنّه بضمّ المقدمّة العقليّة المشهورة ـ التي هي من الآراء المحمودة التي يدركها العقل العمليّ ـ إلى المقدّمة التي تتضمّن الحكم بالملازمة التي يدركها العقل النظريّ ، يحصل للعقل النظريّ العلم بأنّ الشارع له هذا الحكم ؛ لأنّه حينئذ يقطع باللازم ـ وهو الحكم ـ بعد فرض قطعه بثبوت الملزوم والملازمة.

۶۸۸۱