قصد هذا المعنى ، كصاحب الفصول (١) وجماعة من الأخباريّين ، ولكن خانه التعبير عن مقصوده. (٢) وإذا كان هذا مرادهم فهو أجنبيّ عمّا نحن بصدده من كون الدليل العقليّ حجة يتوصّل به إلى الحكم الشرعيّ.

إنّنا نقصد من الدليل العقليّ حكم العقل النظريّ بالملازمة بين الحكم الثابت شرعا أو عقلا وبين حكم شرعيّ آخر ، كحكمه بالملازمة في مسألة الإجزاء ، ومقدّمة الواجب ، ونحوهما ، وكحكمه باستحالة التكليف بلا بيان ، اللازم منه حكم الشارع بالبراءة ، وكحكمه بتقديم الأهمّ في مورد التزاحم بين الحكمين المستنتج منه فعليّة حكم الأهمّ عند الله (تعالى) ، وكحكمه بوجوب مطابقة حكم الله (تعالى) لما حكم به العقلاء في الآراء المحمودة ؛ فإنّ هذه الملازمات وأمثالها أمور حقيقيّة واقعيّة يدركها العقل النظريّ بالبداهة ، أو بالكسب ؛ لكونها من الأوّليّات والفطريّات التي قياساتها معها ؛ أو لكونها تنتهي إليها ، فيعلم بها العقل على سبيل الجزم.

وإذا قطع العقل بالملازمة ـ والمفروض أنّه قاطع بثبوت الملزوم ـ فإنّه لا بدّ أن يقطع بثبوت اللازم وهو ـ أي اللازم ـ حكم الشارع ، ومع حصول القطع ، فإنّ القطع حجّة يستحيل النهي عنه ، (٣) بل به حجّيّة كلّ حجّة كما سبق بيانه. (٤)

وعليه ، فهذه الملازمات العقليّة هي كبريات القضايا العقليّة التي بضمّها إلى صغرياتها يتوصّل بها إلى الحكم الشرعيّ. ولا أظنّ أحدا ـ بعد التوجّه إليها ، والالتفات إلى حقيقتها ـ يستطيع إنكارها إلاّ السوفسطائيّين الذين ينكرون الوثوق بكلّ معرفة ، حتى المحسوسات.

ولا أظنّ أنّ هذه القضايا العقليّة هي مقصودة من أنكر حجّيّتها من الأخباريّين و

__________________

(١) لا يخفى أنّ صاحب الفصول لم ينكر الملازمة مطلقا ، بل أنكر الملازمة الواقعيّة ، والتزم بالملازمة الظاهريّة. راجع الفصول : ٣٣٧.

(٢) أي : لم يف به التعبير عن مقصوده.

(٣) حقّ العبارة هكذا : «ومع حصول القطع يستحيل النهى عنه ؛ فإنّه حجّة ذاتا» ؛ فإنّ ذاتية الحجّيّة علّة لاستحالة النهي.

(٤) راجع الصفحة : ٣٧٦ ـ ٣٧٩.

۶۸۸۱