الأمر بشيء من البسط ، كوضع النقاط على الحروف ، كما يقولون ، فنقول :

١. إنّه قد تقدّم (١) أنّ العقل ينقسم إلى عقل نظريّ ، وعقل عمليّ. وهذا التقسيم باعتبار ما يتعلّق به الإدراك.

فالمراد من «العقل النظريّ» إدراك ما ينبغي أن يعلم ، أي إدراك الأمور التي لها واقع.

والمراد من «العقل العمليّ» إدراك ما ينبغي أن يعمل ، أي حكمه بأنّ هذا الفعل ينبغي فعله ، أو لا ينبغي فعله.

٢. إنّه ما المراد من العقل ـ الذي نقول : إنّه حجّة ـ من هذين القسمين؟

إن كان المراد «العقل النظريّ» فلا يمكن أن يستقلّ بإدراك الأحكام الشرعيّة ابتداء ، أي لا طريق للعقل أن يعلم ـ من دون الاستعانة بالملازمة ـ أنّ هذا الفعل حكمه كذا عند الشارع. والسرّ في ذلك واضح ؛ لأنّ أحكام الله (تعالى) توقيفيّة ، فلا يمكن العلم بها إلاّ من طريق السماع من مبلّغ الأحكام ، المنصوب من قبله (تعالى) لتبليغها ؛ ضرورة أنّ أحكام الله (تعالى) ليست من القضايا الأوّليّة ، وليست ممّا تنالها المشاهدة بالبصر ونحوه من الحواسّ الظاهرة ، بل الباطنة ، وليست أيضا ممّا تنالها التجربة والحدس. وإذا كانت كذلك فكيف يمكن العلم بها من غير طريق السماع من مبلّغها؟! وشأنها في ذلك شأن سائر المجعولات التي يضعها البشر ، كاللغات ، والخطوط ، والرموز ، ونحوها.

وكذلك ملاكات الأحكام كنفس الأحكام ، لا يمكن العلم بها إلاّ من طريق السماع من مبلّغ الأحكام ؛ لأنّه ليس عندنا قاعدة مضبوطة نعرف بها أسرار أحكام الله (تعالى) وملاكاتها التي أنيطت بها الأحكام عنده (٢) ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.

وعلى هذا ، فمن نفى حجّيّة العقل ، وقال : «إنّ الأحكام سمعيّة لا تدرك بالعقول» فهو على حقّ ؛ إذا أراد من ذلك ما أشرنا إليه ، وهو نفي استقلال العقل النظريّ في إدراك الأحكام وملاكاتها. ولعلّ بعض منكري الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع

__________________

(١) تقدّم في المقصد الثاني : ٢٣١.

(٢) راجع ما تقدّم في المقصد الثاني : ٢٤٧.

۶۸۸۱