في هذا الباب لتوجيهها (١) ، فقال مالك ـ على ما نسب إليه (٢) ـ : «إنّ الحجّة هو إجماع أهل المدينة فقط». وقال قوم : «الحجّة إجماع أهل الحرمين : مكّة ، والمدينة. والمصرين : الكوفة ، والبصرة (٣)». وقال قوم : «المعتبر إجماع أهل الحلّ والعقد (٤)». وقال بعض : «المعتبر إجماع الفقهاء الأصوليّين خاصّة (٥)». وقال بعض : «الاعتبار بإجماع أكثر المسلمين (٦)». واشترط بعض في المجمعين أن يحقّقوا عدد التواتر. (٧) وقال آخرون : «الاعتبار بإجماع الصحابة فقط دون غيرهم ممّن جاءوا بعد عصرهم» ، كما نسب ذلك إلى داود (٨) وشيعته (٩). إلى غير ذلك من الأقوال التي يطول ذكرها ، المنقولة في جملة من كتب الأصول. (١٠)

وكلّ هذه الأقوال تحكّمات ، لا سند لها ولا دليل ، ولا ترفع الغائلة من تلك المفارقة الصارخة. والذي دفع أولئك القائلين بتلك المقالات أمور وقعت في تأريخ بيعة الخلفاء ، يطول شرحها ، أرادوا تصحيحها بالإجماع.

هذه هي الجذور العميقة للمسألة التي أوقعت القائلين بحجّيّة الإجماع في حيص بيص لتصحيحه وتوجيهه ، وإلاّ فتلك المسالك الثلاثة ـ إن سلّمت ـ لا تدلّ على أكثر من حجّيّة

__________________

(١) أي لتوجيه الأدلّة.

(٢) نسب إليه في نهاية السئول ٣ : ٢٦٣ ، والمستصفى ١ : ١٨٧ ، والإحكام (للآمدي) ١ : ٣٤٩.

(٣) وهذا منسوب إلى زعم بعض أهل الأصول. والناسب الشوكاني في إرشاد الفحول : ٨٣.

(٤) هذا ما اختاره صاحب نهاية السئول ٣ : ٢٣٧ ، والفخر الرازي في المحصول في علم الأصول ٢ : ٣.

(٥) ذهب إليه الخضري بك في كتابه أصول الفقه : ٢٧١ و ٢٧٦.

(٦) هذا ما نسبه الآمدي إلى محمد بن جرير الطبريّ ، وأبي بكر الرازيّ ، وأبي الحسين الخيّاط ، وأحمد بن حنبل. راجع الإحكام (للآمدي) ١ : ٣٣٦.

(٧) وهذا القول نسبه الآمدي إلى من استدلّ على حجيّة الإجماع بدلالة العقل ، كإمام الحرمين ، راجع الإحكام ١ : ٣٥٨.

(٨) وهو أبو سفيان داود بن خلف الأصبهاني ، المعروف بالظاهرىّ ، وهو إمام الظاهريّة.

(٩) نسب إليه ، وإلى ابن حيّان ، وأحمد بن حنبل في إرشاد الفحول : ٨١ ـ ٨٢ ، وفواتح الرحموت «المطبوع بهامش المستصفى ٢ : ٢٢٠».

ونسب إليه وشيعته في المستصفى ١ : ١٨٩ ، والإحكام (للآمدي) ١ : ٣٢٨.

(١٠) راجع بعض المصادر المتقدّمة.

۶۸۸۱