وللجواب عن هذا السؤال علينا أن نرجع القهقرى إلى أوّل إجماع اتّخذ دليلا في تأريخ المسلمين. إنّه الإجماع المدّعى على بيعة أبي بكر ؛ خليفة للمسلمين ، فإنّه إذا وقعت البيعة له ـ والمفروض أنّه لا سند لها (١) من طريق النصّ القرآنيّ ، والسنّة النبويّة ـ اضطرّوا إلى تصحيح شرعيّتها من طريق الإجماع ، فقالوا :
أوّلا : إنّ المسلمين من أهل المدينة أو أهل الحلّ والعقد منهم أجمعوا على بيعته. (٢)
وثانيا : إنّ الإمامة من الفروع لا من الأصول. (٣)
وثالثا : إنّ الإجماع حجّة في مقابل الكتاب والسنّة ، أي إنّه دليل ثالث ، غير الكتاب والسنّة. (٤)
ثمّ منه توسّعوا ، فاعتبروه دليلا في جميع المسائل الشرعيّة الفرعيّة. وسلكوا لإثبات حجّيّته ثلاثة مسالك : الكتاب ، والسنّة ، والعقل.
ومن الطبيعي ألاّ يجعلوا الإجماع من مسالكه ؛ لأنّه يؤدّي إلى إثبات الشيء بنفسه ، وهو دور باطل.
أمّا مسلك الكتاب : فآيات استدلّوا بها [وهي] لا تنهض دليلا على مقصودهم. وأولاها بالذكر آية سبيل المؤمنين ، وهي قوله (تعالى) : ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ (٥). فإنّها توجب اتّباع سبيل المؤمنين ، فإذا أجمع المؤمنون على حكم فهو سبيلهم ، فيجب اتّباعه. وبهذه الآية تمسّك الشافعيّ على ما نقل عنه. (٦)
ويكفينا في ردّ الاستدلال بها ما استظهره الشيخ الغزاليّ منها ؛ إذ قال : «الظاهر أنّ المراد
__________________
(١) أي للبيعة.
(٢) راجع شرح المواقف ٨ : ٣٥٣ ، شرح المقاصد ٥ : ٢٦٤ ؛ الأربعين (للرازي) : ٤٣٧ ـ ٤٣٨.
(٣) راجع شرح المواقف ٨ : ٣٤٤ ؛ شرح المقاصد ٥ : ٢٣٢.
(٤) راجع التعليقة (٦) من الصفحة : ٤٥١.
(٥) النساء (٤) الآية : ١١٥.
(٦) راجع نهاية السئول ٣ : ٢٤٨ ؛ المستصفى ١ : ١٧٥ ؛ الإحكام (للآمدي) ١ : ٢٨٦.