شيء ، أو إجماع أمّة من الأمم بما هو إجماع واتّفاق لا قيمة علميّة له في استكشاف حكم الله (تعالى) ؛ لأنّه لا ملازمة بينه وبين حكم الله (تعالى) ، فالعلم به لا يستلزم العلم بحكم الله (تعالى) بأيّ وجه من وجوه الملازمة.

نعم ، الشيء الذي يجب ألاّ يفوتنا التنبيه عليه في الباب أنّا قد قلنا فيما سبق في الجزء الثاني (١) وسيأتي : (٢) إنّ تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء في القضايا المشهورة العمليّة التي نسمّيها «الآراء المحمودة» ، والتي تتعلّق بحفظ النظام والنوع ، يستكشف به الحكم الشرعيّ ؛ لأنّ الشارع من العقلاء ، بل رئيسهم ، وهو خالق العقل ، فلا بدّ أن يحكم بحكمهم.

ولكن هذا التطابق ليس من نوع الإجماع المقصود ، بل هو نفس الدليل العقليّ الذي نقول بحجّيّته في مقابل الكتاب ، والسنّة ، والإجماع. وهو من باب التحسين والتقبيح العقليّين الذي (٣) ينكره هؤلاء الذاهبون إلى حجّيّة الإجماع.

أمّا : إجماع الناس ـ الذي لا يدخل في تطابق آراء العقلاء بما هم عقلاء ـ فلا سبيل إلى اتّخاذه دليلا على الحكم الشرعيّ ؛ لأنّ اتّفاقهم قد يكون بدافع العادة ، أو العقيدة ، أو الانفعال النفسيّ ، أو الشبهة ، أو نحو ذلك. وكلّ هذه الدوافع من خصائص البشر ، لا يشاركهم الشارع فيها ؛ لتنزّهه عنها. فإذا حكموا بشيء بأحد هذه الدوافع لا يجب أن يحكم الشارع بحكمهم ، فلا يستكشف من اتّفاقهم على حكم ـ بما هو اتّفاق ـ أنّ هذا الحكم واقعا هو حكم الشارع.

ولو أنّ إجماع الناس بما هو إجماع ـ كيفما كان وبأيّ دافع كان ـ هو حجّة ودليل لوجب أن يكون إجماع الأمم الأخرى غير المسلمة أيضا حجّة ودليلا. ولا يقول بذلك واحد ممّن يرى حجّيّة الإجماع.

إذن ، كيف اتّخذ الأصوليّون إجماع المسلمين بالخصوص حجّة؟! وما الدليل لهم على ذلك؟

__________________

(١) راجع الصفحة : ٢٤٤ ـ ٢٤٦.

(٢) يأتي في الصفحة : ٤٨٠ و ٤٨٤ ـ ٤٨٥.

(٣) صفة «باب».

۶۸۸۱