ظهر وجهه أنّه على نحو الإباحة ، أو الوجوب ، أو الاستحباب ـ مثلا ـ هل هو حجّة بالنسبة إلينا؟ أي إنّه هل يدلّ على اشتراكنا معه وتعدّيه إلينا ، فيكون مباحا لنا ، كما كان مباحا له ، أو واجبا علينا ، كما كان واجبا عليه ... وهكذا؟

ومنشأ الخلاف أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اختصّ بأحكام لا تتعدّى إلى غيره ، ولا يشترك [فيها] معه باقي المسلمين ، مثل : وجوب التهجّد في الليل ، وجواز العقد على أكثر من أربع زوجات.

وكذلك له من الأحكام ما يختصّ بمنصب الولاية العامّة ، فلا تكون لغير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام باعتبار أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. (١)

فإن علم أنّ الفعل الذي وقع من المعصوم من مختصّاته فلا شكّ في أنّه لا مجال لتوهّم تعدّيه إلى غيره ، وإن علم عدم اختصاصه به بأيّ نحو من أنحاء الاختصاص (٢) ، فلا شكّ في أنّه يعمّ جميع المسلمين ، فيكون فعله حجّة علينا.

هذا كلّه ليس موضع الكلام ، وإنّما موضع الشبهة في الفعل الذي لم يظهر حاله في كونه من مختصّاته ، أو ليس من مختصّاته ، ولا قرينة تعيّن أحدهما ، فهل هذا بمجرّده كاف للحكم بأنّه من مختصّاته ، أو للحكم بعمومه للجميع ، أو أنّه غير كاف ، فلا ظهور له أصلا في كلّ من النحوين؟ وجوه ، بل أقوال. (٣)

والأقرب هو الوجه الثاني. (٤)

والوجه في ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر مثلنا ، له ما لنا ، وعليه ما علينا ، وهو مكلّف من الله (تعالى) بما كلّف به الناس ، إلاّ ما قام الدليل الخاصّ على اختصاصه ببعض الأحكام ، إمّا من جهة شخصه بذاته ، وإمّا من جهة منصب الولاية ، فما لم يخرجه الدليل فهو كسائر الناس في التكليف ؛ هذا مقتضى عموم أدلّة اشتراكه معنا في التكليف (٥) ؛ فإذا صدر منه فعل

__________________

(١) كما قال الله (تعالى) : ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الأحزاب (٣٣) الآية : ٦.

(٢) أي : سواء كان من جهة شخص المعصوم أو من جهة منصب ولايته العامّة.

(٣) ذكرها الآمدي في : الإحكام ١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٤) وهذا ما ذهب إليه الأكثر. منهم : المحقّق القمّي من الإماميّة في قوانين الأصول ١ : ٤٩٢ ، والآمديّ من العامّة في الإحكام ١ : ٢٦٦.

(٥) وهي عمومات التكاليف في القرآن.

۶۸۸۱