الواقع عند الخطأ ، من دون أن تحدث في نفس المؤدّى ـ أي في ذات الفعل والعمل ـ مصلحة ، حتى تستلزم إنشاء حكم آخر غير الحكم الواقعيّ على طبق ما أدّت إليه الأمارة الذي هو نوع من التصويب. (١)

قال رحمه‌الله في رسائله فيما قال : «ومعنى وجوب العمل على طبق الأمارة وجوب ترتيب أحكام الواقع على مؤدّاها ، من دون أن تحدث في الفعل مصلحة على تقدير مخالفة الواقع». (٢)

ولا ينبغي أن يتوهّم أنّ القول بالمصلحة السلوكيّة هو نفس ما ذكرناه في أحد وجهي تصحيح الطريقيّة من فرض مصلحة التسهيل ؛ لأنّ الغرض من القول بالمصلحة السلوكيّة أن تحدث مصلحة في سلوك الأمارة ، تعود تلك المصلحة لشخص المكلّف لتدارك ما يفوته من مصلحة الواقع ، بينما أنّ غرضنا من مصلحة التسهيل مصلحة نوعيّة قد لا تعود لشخص من قامت عنده الأمارة ، وتلك المصلحة النوعيّة مقدّمة في مقام المزاحمة عند الشارع على مصلحة الواقع التي قد تفوت على شخص المكلّف.

وإذا اتّضح الفرق بينهما ، نقول : إنّ القول بالمصلحة السلوكيّة وفرضها يأتي بالمرتبة الثانية للقول بمصلحة التسهيل ، يعني : أنّه إذا لم تثبت عندنا مصلحة التسهيل ، أو قلنا بعدم تقديم المصلحة النوعيّة على المصلحة الشخصيّة ، ولم يصح عندنا أيضا احتمال مساواة خطأ الأمارات للعلوم فإنّا نلتجئ إلى ما سلكه الشيخ من المصلحة السلوكيّة ؛ إذا استطعنا تصحيحها ؛ فرارا من الوقوع في التصويب الباطل.

__________________

(١) إنّ التصويب الباطل ـ على ما بيّنه الشيخ ـ على نحوين : الأوّل : ما ينسب إلى الأشاعرة ، وهو أن يفرض أن لا حكم ثابتا في نفسه يشترك فيه العالم والجاهل ، بل الشارع ينشئ أحكامه على طبق ما تؤدّي إليه آراء المجتهدين. الثاني : ما ينسب إلى المعتزلة ، وهو أن تكون هناك أحكام واقعيّة ثابتة في نفسها ، يشترك فيها العالم والجاهل ، ولكنّ لرأي المجتهد أثرا في تبدّل عنوان موضوع الحكم أو متعلّقه ، فتحدث على وفق ما أدّى إليه رأيه مصلحة غالبة على مصلحة الواقع ، فينشئ الشارع أحكاما ظاهريّة ثانويّة ، غير الأحكام الواقعيّة. وهذا المعنى من التصويب ترجع إليه السببيّة المحضة. وإنّما كان هذا تصويبا باطلا ؛ لأنّ معناه خلوّ الواقع عن الحكم حين قيام الأمارة على خلافه. ـ منه قدس‌سره ـ.

(٢) هذا نصّ كلامه على ما في بعض نسخ فرائد الأصول ، كما في فرائد الأصول (المحشّى) : ٢٨. وفي المطبوع حديثا هكذا : «ومعنى الأمر بالعمل على طبق الأمارة الرخصة في أحكام الواقع على مؤدّاها من دون أن تحدث في الفعل مصلحة على تقدير مخالفة الواقع». فرائد الأصول ١ : ٤٥.

۶۸۸۱