فإن كان الأوّل فهو خارج عن مسألتنا ـ كما تقدّم في التنبيه السابق ـ ؛ إذ لا شكّ في أنّه لو كان النهي بداعي الإرشاد إلى مانعيّة الشيء في المعاملة فإنّه يكود دالاّ على فسادها عند الإخلال ؛ لدلالة النهي على اعتبار عدم المانع فيها ، فتخلّفه تخلّف للشرط المعتبر في صحّتها. وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه اثنان.

وإن كان الثاني فإنّ النهي إمّا أن يكون عن ذات السبب ـ أي عن العقد الإنشائي ـ ، أو فقل : عن التسبيب به لإيجاد المعاملة ، كالنهي عن البيع وقت النداء لصلاة الجمعة في قوله (تعالى) : ﴿إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ... (١) ؛ وإمّا أن يكون عن ذات المسبّب ـ أي عن نفس وجود المعاملة ـ كالنهي عن بيع الآبق وبيع المصحف.

فإن كان النهي على النحو الأوّل ـ أي عن ذات السبب ـ ، فالمعروف أنّه لا يدلّ على فساد المعاملة (٢) ؛ إذ لم تثبت المنافاة لا عقلا ولا عرفا بين مبغوضيّة العقد والتسبيب به ، وبين إمضاء الشارع له بعد أن كان العقد مستوفيا لجميع الشروط المعتبرة فيه ، بل ثبت خلافها ، كحرمة الظهار التي لم تناف ترتّب الأثر عليه من الفراق.

وإن كان النهي على النحو الثاني ـ أي عن المسبّب ـ ، فقد ذهب جماعة من العلماء (٣) إلى أنّ النهي في هذا القسم يقتضي الفساد.

وأقصى ما يمكن تعليل ذلك بما ذكره بعض أعاظم مشايخنا (٤) من أنّ صحّة كلّ معاملة مشروطة بأن يكون العاقد مسلّطا على المعاملة في حكم الشارع ، غير محجور عليه من قبله من التصرّف في العين التي تجري عليها المعاملة. ونفس النهي عن المسبّب يكون معجّزا مولويا للمكلّف عن الفعل ، ورافعا لسلطنته عليه ، فيختلّ به ذلك الشرط المعتبر في

__________________

(١) الجمعة (٦٢) الآية : ٩.

(٢) ذهب إليه في القوانين ١ : ١٥٩ ، والفصول : ١٤٠ ، ودرر الفوائد ١ : ١٥٧ ، وفوائد الأصول ٢ : ٤٧١ ، والمحاضرات ٥ : ٣١.

(٣) ومنهم المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٤٧١.

(٤) وهو المحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٤٧١ ـ ٤٧٢.

۶۸۸۱