صحّة العبادة على الأمر بها ـ كما هو المعروف عن الشيخ صاحب الجواهر قدس‌سره (١) ـ ، فإنّ أعمالهم هذه كلّها باطلة ولا يستحقّون عليها ثوابا ؛ لأنّه إمّا منهيّ عنها والنهي يقتضي الفساد ، وإمّا لا أمر بها وصحّتها تتوقّف على الأمر.

فهل هناك طريقة لتصحيح فعل المهمّ العباديّ مع وجود الأمر بالأهمّ؟

ذهب جماعة إلى تصحيح العبادة في المهمّ بنحو «الترتّب» بين الأمرين : الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ ، مع فرض القول بعدم النهي عن الضدّ وأنّ صحّة العبادة تتوقّف على وجود الأمر. (٢)

والظاهر أنّ أوّل من أسّس هذه الفكرة ، وتنبّه لها المحقّق الثاني ، وشيّد أركانها السيّد الميرزا الشيرازيّ ، كما أحكمها (٣) ونقّحها شيخنا المحقّق النائينيّ قدس‌سره (٤).

وهذه الفكرة وتحقيقها من أروع (٥) ما انتهى إليه البحث الأصوليّ تصويرا وعمقا.

وخلاصة فكرة «الترتّب» أنّه لا مانع عقلا من أن يكون الأمر بالمهمّ فعليّا عند عصيان الأمر بالأهمّ ، فإذا عصى المكلّف وترك الأهمّ فلا محذور في أن يفرض الأمر بالمهمّ حينئذ ؛ إذ لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدّين ، كما سيأتي توضيحه. (٦)

وإذا لم يكن مانع عقليّ من هذا الترتّب ؛ فإنّ الدليل يساعد على وقوعه ، والدليل هو نفس الدليلين المتضمّنين للأمر بالمهمّ والأمر بالأهمّ ، وهما كافيان لإثبات وقوع الترتّب.

وعليه ، ففكرة الترتّب وتصحيحها يتوقّف على شيئين رئيسين في الباب : أحدهما : إمكان الترتّب في نفسه. وثانيهما : الدليل على وقوعه.

أمّا الأوّل : ـ وهو إمكانه في نفسه ـ فبيانه أنّ أقصى ما يقال في إبطال الترتّب و

__________________

(١) جواهر الكلام ٢ : ٨٨ ، و ٩ : ١٥٥ ـ ١٥٦ و ١٦١.

(٢) أمّا نحن ـ الذين نقول بأنّ صحّة العبادة لا تتوقّف على وجود الأمر فعلا وأنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه ـ ففي غنى عن القول بالترتّب لتصحيح العبادة في مقام المزاحمة بين الضدّين الأهمّ والمهمّ ، كما تقدّم. ـ منه رحمه‌الله ـ.

(٣) وفي «س» : وأحكم بنيانها.

(٤) راجع التعليقة رقم «١» من الصفحة : ٣١٥.

(٥) أي أعجب ، وبالفارسيّة : «شگفت انگيزتر ، خوش تر ، لذت بخش تر».

(٦) سيأتي بعد أسطر.

۶۸۸۱