القول الثاني ، وهو عدم وجوبها مطلقا.

والدليل عليه واضح بعد ما قلنا ـ من أنّه في موارد حكم العقل بلزوم شيء على وجه يكون حكما داعيا للمكلّف إلى فعل الشيء لا يبقى مجال للأمر المولويّ (١) فإنّ هذه المسألة من ذلك الباب من جهة العلّة ؛ وذلك لأنّه إذا كان الأمر بذي المقدّمة داعيا للمكلّف إلى الإتيان بالمأمور به فإنّ دعوته هذه ـ لا محالة بحكم العقل ـ تحمله وتدعوه إلى الإتيان بكلّ ما يتوقّف عليه المأمور به تحصيلا له. ومع فرض وجود هذا الداعي في نفس المكلّف لا تبقى حاجة إلى داع آخر من قبل المولى ، مع علم المولى ـ حسب الفرض ـ بوجود هذا الداعي ، لأنّ الأمر المولويّ ـ سواء كان نفسيّا أم غيريّا ـ إنّما يجعله المولى لغرض تحريك المكلّف نحو فعل المأمور به ، إذ يجعل الداعي في نفسه حيث لا داعي. بل يستحيل في هذا الفرض جعل الداعي الثاني من المولى ؛ لأنّه يكون من باب تحصيل الحاصل.

وبعبارة أخرى : إنّ الأمر بذي المقدّمة لو لم يكن كافيا في دعوة المكلّف إلى الإتيان بالمقدّمة فأيّ أمر بالمقدّمة لا ينفع ، ولا يكفي للدعوة إليها بما هي مقدّمة ، ومع كفاية الأمر بذي المقدّمة لتحريكه إلى المقدّمة ، وللدعوة إليها ، فأيّة حاجة تبقى إلى الأمر بها من قبل المولى؟ ، بل يكون عبثا ولغوا ، بل يمتنع ؛ لأنّه تحصيل للحاصل.

وعليه ، فالأوامر الواردة في بعض المقدّمات يجب حملها على الإرشاد ، وبيان شرطيّة متعلّقها للواجب وتوقّفه عليها ، كسائر الأوامر الإرشاديّة في موارد حكم العقل ، وعلى هذا يحمل قوله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس ، فقد وجب الطهور والصلاة» (٢).

__________________

ـ الأصفهانيّ قدس‌سره * ، وقد عضّد هذا القول السيد الجليل المحقّق الخوئيّ رحمه‌الله **. وكذلك ذهب إلى هذا القول وأوضحه سيّدنا المحقّق الحكيم دام ظلّه في حاشيته على الكفاية ***. ـ منه رحمه‌الله ـ.

(١) راجع الصفحة : ٢٤٥.

(٢) هذا مفاد الروايات الواردة في الباب ، وإليك نصّ الرواية : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة». الوسائل ١ : ٢٦١ ، الباب ٤ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

__________________

* نهاية الدراية ١ : ٣٩٧ ـ ٤٠٢.

** المحاضرات ٢ : ٤٣٨.

*** حقائق الأصول ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٨.

۶۸۸۱