الجاهل مكلّف بها كالعالم ، غاية الأمر أنّها غير منجّزة بالفعل بالنسبة إلى الجاهل القاصر (١) حين جهله ، وإنّما يكون معذورا في المخالفة لو اتّفقت له باتّباع الأمارة ؛ إذ لا تكون الأمارة عندهم إلاّ طريقا محضا لتحصيل الواقع.

ومع انكشاف الخطأ لا يبقى مجال للعذر ، بل يتنجّز الواقع حينئذ في حقّه من دون أن يكون قد جاء بشيء يسدّ مسدّه ويغني عنه.

ولا يصحّ القول بالإجزاء إلاّ إذا قلنا : إنّه بقيام الأمارة على وجوب شيء تحدث فيه مصلحة ملزمة على أن تكون هذه المصلحة وافية بمصلحة الواقع ، يتدارك بها مصلحة الواجب الواقعيّ ، فتكون الأمارة مأخوذة على نحو الموضوعيّة للحكم ؛ ضرورة أنّه مع هذا الفرض يكون ما أتى به على طبق الأمارة مجزئا عن الواقع ؛ لأنّه قد أتى بما يسدّ مسدّه ، ويغني عنه في تحصيل مصلحة الواقع.

ولكن هذا معناه التصويب المنسوب إلى المعتزلة (٢) ، أي إنّ أحكام الله (تعالى) تابعة لآراء المجتهدين وإن كانت له أحكام واقعيّة ثابتة في نفسها ، فإنّه يكون ـ عليه ـ كلّ رأي أدّى إليه نظر المجتهد قد أنشأ الله (تعالى) على طبقه حكما من الأحكام. والتصويب بهذا المعنى قد أجمعت الإماميّة على بطلانه (٣) ، وسيأتي البحث عنه في «مباحث الحجّة». (٤)

وأمّا : القول بالمصلحة السلوكيّة ـ أي إنّ نفس متابعة الأمارة فيها مصلحة ملزمة

__________________

(١) الجاهل القاصر من لم يتمكّن من الفحص أو فحص فلم يعثر. ويقابله المقصّر ، وهو بعكسه. والأحكام منجّزة بالنسبة إلى المقصّر لحصول العلم الإجمالي بها عنده ، والعلم منجّز للأحكام وإن كان إجماليّا فلا يكون معذورا ؛ بل الاحتمال وحده بالنسبة إليه يكون منجّزا. وسيأتي البحث عن ذلك في «مباحث الحجّة». ـ منه رحمه‌الله ـ.

(٢) نسب القول بالتصويب إلى المعتزلة وأبي الحسن الأشعريّ في كتاب إرشاد الفحول : ٢٦١. ونسب إلى الأشعريّ والقاضي أبي بكر الباقلانيّ وجمهور المتكلّمين من الأشاعرة والمعتزلة في كتاب نهاية السئول ٤ : ٥٦٠. وما ذكره المصنّف رحمه‌الله في المتن هو التصويب المنسوب إلى المعتزلة من أنّ أحكام الله (تعالى) تابعة لرأي المجتهد وإن كانت هناك أحكام واقعيّة ثابتة في نفسها. وأمّا التصويب المنسوب إلى الأشاعرة هو أن يفرض أن لا حكم ثابتا في نفسه ، بل الله (تعالى) ينشئ أحكامه على طبق ما أدّى إليه رأي المجتهد.

(٣) كما في كفاية الأصول : ٥٣٥.

(٤) يأتي في مقدّمة المقصد الثالث ، المبحث ١٤ «المصلحة السلوكيّة».

۶۸۸۱