من الأخباريّين (١) ـ على ما يظهر من كلمات بعضهم ـ (٢) إنكار أن يكون للعقل حقّ إدراك ذلك الحسن والقبح ، فلا يثبت شيء من الحسن والقبح الواقعيّين بإدراك العقل.

والشيء الثابت قطعا عندهم على الإجمال القول بعدم جواز الاعتماد على شيء من الإدراكات العقليّة في إثبات الأحكام الشرعيّة. وقد فسّر هذا القول بأحد وجوه ثلاثة (٣) حسب اختلاف عبارات الباحثين منهم :

١. إنكار إدراك العقل للحسن والقبح الواقعيّين. وهذه هي مسألتنا التي عقدنا لها هذا المبحث الثاني.

٢. ـ بعد الاعتراف بثبوت إدراك العقل ـ إنكار الملازمة بينه وبين حكم الشرع. وهذه هي المسألة الآتية في «المبحث الثالث».

٣. ـ بعد الاعتراف بثبوت إدراك العقل وثبوت الملازمة ـ إنكار وجوب إطاعة الحكم الشرعيّ الثابت من طريق العقل ، ومرجع ذلك إلى إنكار حجّيّة العقل. وسيأتي البحث عن ذلك في الجزء الثالث من هذا الكتاب (مباحث الحجّة).

وعليه ، فإن أرادوا التفسير الأوّل بعد الاعتراف بثبوت الحسن والقبح العقليّين فهو كلام لا معنى له ؛ لأنّه قد تقدّم (٤) أنّه لا واقعيّة للحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه مع الأشاعرة ـ وهو المعنى الثالث ـ إلاّ إدراك العقلاء لذلك وتطابق آرائهم على مدح فاعل الحسن

__________________

ـ بل قال المحقّق الخراسانيّ : «وإن نسب إلى بعض الأخباريّين : (أنّه لا اعتبار بما إذا كان بمقدّمات عقليّة) ، إلاّ أنّ مراجعة كلماتهم لا تساعد على هذه النسبة ، بل تشهد بكذبها». كفاية الأصول : ٣١١.

(١) منهم المحدّث الاسترآباديّ والمحدّث الجزائريّ والمحدّث البحرانيّ على ما في فرائد الأصول ١ : ١٥ ـ ١٩ ، ومطارح الأنظار : ٢٣٢.

(٢) راجع كلمات جمال المحقّقين والسيّد الصدر منقولا عنهما في مطارح الأنظار : ٢٣٢ ، وكلمات السيّد الأمين في الفوائد المدنيّة : ١٢٩ و ١٣١.

(٣) سيأتي أنّ هناك وجها رابعا لحمل كلامهم عليه بما أوّلنا به رأي صاحب الفصول ، الآتي ، وهو إنكار العقل لملاكات الأحكام الشرعيّة. وهو وجه وجيه سيأتي بيانه وتأييده ، وبه تحلّ عقدة النزاع ويقع التصالح بين الطرفين. ـ منه رحمه‌الله ـ.

(٤) تقدّم في الصفحة : ٢٢٩ و ٢٣١.

۶۸۸۱