ـ مثلا ـ إلى ماء دجلة أو الفرات ، فالحقّ أنّه لا أثر لهذا الانصراف في ظهور اللفظ في إطلاقه ، فلا يمنع من التمسّك بأصالة الإطلاق ؛ لأنّ هذا الانصراف قد يجتمع مع القطع بعدم إرادة المقيّد بخصوصه من اللفظ. ولذا يسمّى هذا الانصراف باسم «الانصراف البدويّ» ؛ لزواله عند التأمّل ومراجعة الذهن.

وهذا كلّه واضح لا ريب فيه. وإنّما الشأن في تشخيص الانصراف أنّه من أيّ النحوين ، فقد يصعب التمييز أحيانا بينهما للاختلاط على الإنسان في منشأ هذا الانصراف. وما أسهل دعوى الانصراف على لسان غير المتثبّت ، وقد لا يسهل إقامة الدليل على أنّه من أيّ نوع.

فعلى الفقيه أن يتثبّت في مواضع دعوى الانصراف ، وهو يحتاج إلى ذوق عال وسليقة مستقيمة. وقلّما تخلو آية كريمة أو حديث شريف في مسألة فقهيّة عن انصرافات تدّعى. وهنا تظهر قيمة التضلّع باللغة وفقهها وآدابها. وهو باب يكثر الابتلاء به ، وله الأثر الكبير في استنباط الأحكام من أدلّتها.

ألا ترى أنّ المسح في الآيتين ينصرف إلى المسح باليد ، وكون هذا الانصراف مستندا إلى اللفظ لا شكّ فيه ، وينصرف أيضا إلى المسح بخصوص باطن اليد. ولكن قد يشكّ في كون هذا الانصراف مستندا إلى اللفظ ؛ فإنّه غير بعيد أنّه ناشئ من تعارف المسح بباطن اليد لسهولته ؛ ولأنّه مقتضى طبع الإنسان في مسحه وليس له علاقة باللفظ. ولذا إنّ جملة من الفقهاء أفتوا بجواز المسح بظهر اليد عند تعذّر المسح بباطنها تمسّكا بإطلاق الآية (١) ، ولا معنى للتمسّك بالإطلاق لو كان للّفظ ظهور في المقيّد. وأمّا عدم تجويزهم للمسح بظاهر اليد عند الاختيار فلعلّه للاحتياط ؛ إذ إنّ المسح بالباطن هو القدر المتيقّن ، والمفروض حصول الشكّ في كون هذا الانصراف بدويّا ، فلا يطمأنّ كلّ الاطمئنان بالتمسّك بالإطلاق عند الاختيار ، وطريق النجاة هو الاحتياط بالمسح بالباطن.

__________________

(١) راجع جواهر الكلام ٥ : ١٨٣ ، مستمسك العروة ٤ : ٤٠٤.

۶۸۸۱