...

__________________

ـ في الجيران من فيه صفة أو عنوان ينافي الحكم بوجوب إكرامه. وهذا واضح لا غبار فيه.

فإذا جاء بعد انعقاد هذا الظهور في العموم مخصّص منفصل لفظيّ ، كما لو قال في المثال المتقدّم : «لا تكرم الأعداء من جيراني» ، فإن هذا المخصّص لا شكّ في أنّه يكون ظاهرا في أمرين : ١ : إنّ صفة العداوة منافية لوجوب الإكرام. ٢ : إن في الجيران من هو على صفة العداوة فعلا أو يتوقّع منه أن يكون عدوّا ، وإلاّ لو لم يوجد العدوّ ولا يتوقّع فيهم لكان هذا التخصيص لغوا وعبثا لا يصدر من الحكيم.

وعلى ذلك فيكون المخصّص اللفظيّ مزاحما للعامّ في الظهورين معا ، فيسقط عن الحجّيّة فيهما معا. فإذا شككنا في فرد من الجيران أنّه عدوّ أم لا ، فلا مجال فيه للتمسّك بالعامّ في إلحاقه بحكمه ؛ لسقوط العامّ عن حجّيّته في شموله له ؛ إذ يكون هذا الفرد مردّدا بين دخوله فيما أصبح العامّ حجّة فيه وبين دخوله فيما كان الخاصّ حجّة فيه.

أمّا لو كان هناك مخصّص لبيّ ، كما لو حكم العقل ـ مثلا ـ بأنّ العداوة تنافي وجوب الإكرام ، فإنّ هذا الحكم من العقل لا يتوقّف على أن يكون هناك أعداء بالفعل أو متوقّعون ، بل العقل يحكم بهذا الحكم ، سواء كان هناك أعداء أم لم يكونوا أبدا ؛ إذ لا مجال للقول بأنّه لو لم يكن هناك أعداء ، لكان حكم العقل لغوا وعبثا ، كما هو واضح بأدنى تأمّل والتفات.

وعليه ، فالحكم العقليّ هذا لا يزاحم الظهور الثاني العامّ ـ أعني ظهوره في عدم المنافي ـ فظهور الثاني هذا يبقى بلا مزاحم. فإذا شككنا في فرد من الجيران أنّه عدوّ أم لا ، فلا مانع من التمسك بالعامّ في إدخاله في حكمه ؛ لأنّه لا يكون هذا الفرد مردّدا بين دخوله في هذه الحجّة أو هذه الحجّة ؛ إذ المخصّص اللبّيّ حسب الفرض لا يقتضي وجود المنافي وليس حجّة فيه ، أمّا العامّ فهو حجّة فيه بلا مزاحم.

فظهر من هذا البيان أنّ الفرق عظيم بين المخصّص اللبّيّ والمخصّص اللفظيّ من هذه الناحية ؛ لأنّه في المخصّص اللبّيّ يبقى العامّ حجّة في ظهوره الثاني من دون أن يكون المخصّص متعرّضا له ، ولا يسقط العامّ عن الحجّيّة في ظهوره إلاّ بمقدار المزاحمة لا أكثر. وهذا بخلاف المخصّص اللفظيّ ، فإنّه ظاهر في الأمرين معا كما قدّمناه ، فيكون مزاحما للعامّ فيهما معا.

ولا فرق في المخصّص اللبّيّ بين أنّ يكون ضروريّا أو يكون غير ضروريّ ، * ولا بين أن يكون كاشفا عن تقييد موضوع العامّ أو كاشفا عن ملاك الحكم ، ** فإنّه في جميع هذه الصور لا يقتضي وجود المنافي.

وبهذا التحرير للمسألة يتجلّى مرام الشيخ الأعظم قدس‌سره [و] أنّه الأولى بالاعتماد ـ منه رحمه‌الله ـ.

__________________

* خلافا للمحقّق الخراسانيّ في الكفاية : ٢٥٩.

** خلافا للمحقّق النائينيّ في فوائد الأصول ٢ : ٥٣٦ ـ ٥٣٨.

وهذه الحاشية ليست في «س».

۶۸۸۱