٢ ـ دليل العدالة :

ويمكن تقريبه بأن الله تعالى عادل والعادل لا يسوّي بين الظالم والمظلوم كما لا يقدّمه ولا يقدّره عليه ، بل ينتقم من الظالم ، فهو تعالى ينتقم من الظالم ، ولا يسوّي بين الظالم والمظلوم ، ولا يقدّمه ولا يقدّره على المظلوم.

ثم ينضم إليه القياس الاستثنائي ، ويقال : لو لم يكن للإنسان معاد ، لزم التسوية بين الظالم والمظلوم ، ولزم إقدار الظالم على المظلوم ، ولزم الإخلال بالانتقام من الظالمين ، ولكنّه تعالى منزّه عن تلك الامور فالمعاد ثابت للإنسان حتّى يجزي كلّ إنسان بما يستحقّه.

وتوضيح ذلك أيضا يحتاج إلى بيان امور :

الأوّل : أنّ الله تعالى عادل ولا يظلم شيئا ؛ لأنّه كمال محض ومحض الكمال لا يكون ناقصا ، حتّى يظلم ، والظلم معلول النقص ؛ إذ سببه إمّا الجهل أو حاجة الظالم ، أو شقاوته وخبث ذاته ، أو حسادته ، وكلّ واحد نقص ، وهو منتف فيه تعالى ، وقد مرّ تفصيل ذلك في بحث العدل فراجع.

الثاني : أنّ التسوية بين الظالم والمظلوم في الجزاء ، كتقديم الظالم على المظلوم ، وإعداده وإعانته ، في كونه ظلما وقبيحا ، وتنافي العدل ؛ لأنّ العدل هو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، والتسوية كالتقديم إبطال الحقّ وهو عين الظلم.

الثالث : أنّه لو لم يكن معاد لجزاء الإنسان لزم التسوية بين المجرمين والصالحين ، وتقديم الظالمين على المظلومين ، وإعداد الأشرار واقدارهم ؛ لأنّ أبناء البشر كانوا ويكونون على الصلاح والفساد ، وعلى الإصلاح والإفساد ، وعلى الهداية والضلالة ، وكثيرا ما تتغلّب الفئة الظالمة على المظلومة ، والأشرار على الصلحاء ، وعليه فإن اكتفى بهذه الدنيا ولا يكون ورائها الآخرة ، كان معناه هو عدم مكافاة الظالمين والمجرمين ، وعدم جزاء الصالحين والمتّقين ، بل

۲۸۱۱