وثانيا : أن ترك عقاب العاصين في الجملة لا كلام فيه ؛ لأنه من باب الفضل والعفو ، وأمّا بالجملة فلا ، لاستلزامه لغوية التشريع والتقنين ، وترتيب الجزاء على العمل (١) ، ولتضييع حقوق الناس بعضهم على بعض ، فتأمل.

الثالث : في معنى العدل : ولا يخفى عليك أن العدل في الامور ـ كما في المصباح المنير ـ هو القصد فيها وهو خلاف الجور ، ويقرب منه معناه المعروف من أن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه ، وظاهره هو اختصاصه بما إذا كان في البين حق ، والّا فلا مورد له ، فإعطاء الفضل والنعم ، مع تفضيل بعض على بعض ، لا ينافي العدالة ولا يكون ظلما ، إذ الذين أنعم عليهم لا حق لهم في التسوية حتى يكون التبعيض بينهم منافيا للعدالة ، نعم لا بد أن يكون التفضيل والتبعيض لحكمة ومصلحة ، وهو أمر آخر ، فإذا كان ذلك لمصلحة فلا ينافي الحكمة أيضا ، فالتسوية بين الناس من دون استحقاق التسوية ليست بعدل ، كما أن التسوية في خلقة الموجودات ، من دون اشتمالها على المصلحة ليست بحكمة ، وبالجملة فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه ، والحكمة هو وضع الشيء في محله ، والنسبة بينهما هو العموم والخصوص مطلقا ، فإن الحكمة بالمعنى المذكور صادقة على كل مورد من موارد صدق العدل بخلاف العكس. إذ الموارد التي ليس فيها حق في البين ومع ذلك تشتمل على المصلحة ، تكون من موارد صدق الحكمة دون صدق العدل.

نعم قد يستعمل العدل بمعنى الحكمة فيكون مرادفا لها ولعل منه قول مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : «ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه» (٢).

الرابع : في مرجع العدل والحكمة ولا يذهب عليك أن مرجع العدل والحكمة

__________________

(١) راجع تفسير الميزان : ج ١٥ ص ٣٥٦.

(٢) نهج البلاغة لفيض الاسلام ، خطبة / ٢٠٧.

۳۲۰۱