ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية لما عزّ عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها ، فوقع بما هو أسوأ اذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكل نقص ، وجهة إمكان جعلها عين العدم ومحض السلب ـ أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلات الاقلام (٦).


حميد قال : سئل علي بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ عن التوحيد فقال : إن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون ، فأنزل الله تعالى ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ والآيات من أول سورة الحديد إلى قوله : ﴿عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فمن رام وراء ذلك فقد هلك (١).

(٦) وجعل الذات عين العدم ومحضه فاسد وواضح البطلان ، إذ العدم ليس بشيء ولا شيء له حتى يعطي شيئا إلى غيره ، وحيث أن كل كمال أمر وجودي وينتهي إليه تعالى ، علم أنه محض الوجود وعينه ، إذ معطي الشيء لا يكون فاقدا له ، بل لا يخلطه العدم ولا يشوبه العدم ؛ لأنه كما عرفت في أدلة اثبات المبدأ صرف الوجود وكمال الوجود من دون أن يكون له حد وقيد وشرط. وهذا من خصيصة واجب الوجود ، إذ غيره أيّا ما كان ، محدود بحد وقيد. وبعبارة اخرى مركب من أيس وليس وايجاب وسلب كالإنسان ، فإنه إنسان وليس بملك وجن مثلا في حاق وجوده ، فإنه محدود في وجوده وليس بمطلق فيه ، وهكذا غيره من سائر الممكنات. ولذا قلنا مرارا : إن واجب الوجود

__________________

(١) نور الثقلين : ج ٥ ص ٧٠٦ ح ٤٦.

۳۲۰۱