وينتج من المقدمتين أن الموجودات محتاجة إلى العلة ؛ لكونها معلولات والعلة هي الواجب المتعالي وإلّا بقيت المعلولات بدون العلة ؛ لأن المفروض أن جميعها معلولات وتفكيك المعلولات عن العلة محال ، ولا فرق فيما ذكر بين أن تكون الموجودات مترتبات أو غير مترتبات ، ففرض الدور أو التسلسل لا يفيد في هذا المجال أيضا كما لا يخفى.

الرابع : الضرورة والوجوب ، والمراد من ذلك أن الشيء ما لم يجب لم يوجد ووجوب الشيء لا يحصل إلّا بسد أنحاء عدمه ولا يسد أنحاء عدمه إلّا بوجود علته التامة ؛ لأنه ممكن بالذات والممكن بالذات لا يقتضي الوجود كما لا يقتضي العدم. فاذا فرض أن وجود شيء مشروط بألف شرط ، فلا يمكن وجوده إلّا باجتماع شروطه وتحقق علته ، فإذا فقد شرط من بين هذه الشروط ، لا يجب وجوده ولا يوجد ، فإذا تحققت الشروط ووجب وجوده به وجد ، فوجود الممكن مسبوق بضرورة الوجود رتبة وضرورة وجود الممكن قبل وجوده حاكية عن وجود علته ، إذ بدونها لا وجود ولا ضرورة له.

وهذا الحكم لا يختص بوجود دون وجود ، بل يشمل جميع الموجودات سواء كانت مترتبة أم غير مترتبة ؛ لأن السلسلة المترتبة الممكنة بالذات ما لم يجب وجودها لم توجد ، ولا يجب وجودها إلّا بوجود علة مستقلة ليست بمعلولة وبدونها لا يجب وجود السلسلة ؛ لأنها ممكنة بالذات وما دام لم يجب وجودها لم توجد وحيث كانت الموجودات موجودة بالعيان فعلم أنها وجبت قبل وجودها رتبة ، فوجوبها وضرورتها ليس إلّا بوجود علة مستقلة ليست بمعلولة وهو الواجب تعالى.

ويمكن تقرير هذا البرهان بصورة اخرى وهي أن يقال : إن وجود النظام الإمكاني مسبوق بضرورة الوجود له ووجوبه وإلّا لم يوجد ، والممكن ليس له ضرورة الوجود ووجوبه إلّا بالواجب بواسطة أو بدونها. فوجوب النظام

۳۲۰۱