لما علم من الفوائد المهمة والأسرار العظيمة فيها ، وهذا التوهم ناش من قلة التدبر حول العبادات ، وعدم التوجه إلى حقيقتها وأسرارها ، وتأثيرها في استكمال الروح الإنساني للتقرب والتهذيب ، فمثل رمي الجمار يوجب تذكار رمي آدم ـ على نبينا وآله وعليه‌السلام ـ لعدوه الشيطان ، وتبريه منه ، وهذا التذكار يوجب أن يعرف الإنسان عدوه ويقتدي بأبيه في رميه ، والتبري منه ، وهل هذا إلّا غرض صحيح ، فكيف يكون مثل هذا مخالفا للعقل؟ وهكذا الطواف والسعي بين الصفا والمروة وغيرها مشتمل على أسرار وحكم عظيمة ، يكون شطر منها مدونا تحت فلسفة الحج فراجع.

وبالجملة فكل أمر صدر عن الحكيم المتعالي وجاء به الأنبياء مشتمل على الفوائد والمصالح ، وإن لم نعلمها بالتفصيل ، لأنهم أخبروا عن الحكيم المتعال الذي لا يصدر منه القبيح ، فليس في الأوامر الشرعية التي جاءت به الرسل والأنبياء مفسدة يمكن للعقل أن يعرفها ، غايته عدم العلم بوجه المصلحة وهو لا يضر ، فلا موجب لقول البراهمة من استحالة وقوع النبوة كما لا يخفى.

رابعها : في فوائد البعثة وغاياتها ، ولا يخفى عليك أنها متعددة.

منها : الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة ، وهذه الغاية لا تقع كاملة إلّا بالشرع ، فإن بديهيات العقل محدودة ، فلا تكفي للارشاد إلى جميع المنافع والمصالح ، كما أن التجربيات الحاصلة للبشر في طول التاريخ لا يكون وافية بذلك ، هذا مضافا إلى أن حاجات الإنسان لا تنحصر بالعالم المادي المشهود ، وأن ما وراء العالم المادي لا يكشف عادة بالعقل ، ولا يكون في حيطة الحس والتجربة ، فليس لكل واحد من العقل والحس ، منفردا أو منضما إلى الآخر ، أن يحقق حوله لكشف الروابط بين ذلك العالم وبين أفعالنا وعقائدنا حتى ينتظم البرنامج الصالح لسير الإنسان نحو ما ينفعه من سعادته في الدنيا والآخرة.

۳۲۰۱