المقصود منها أن الأمر بيده تعالى ، فيمكن أن يقدم وأن يؤخر رغما لأنف اليهود الذين قالوا يد الله مغلولة كما اشير إليه في الرواية الاولى ، فالثابت هو البداء في مقام الفعل لا في مقام الذات ، والمنفي هو البداء في مقام الذات كما صرح به في بعض الأخبار السابقة. هذا مضافا إلى تصريح بعض الأخبار بأن البداء عند الإمامية ليس مقرونا بالجهل كما رواه في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «ما بدا الله في شيء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له» (١) ومن المعلوم أن البداء الذي لا يستلزم الجهل في مرتبة الذات ، لا تشمله الأدلة النافية ولا تنافيه الأدلة العقلية ؛ لأنه ليس إلّا كمال القدرة في مقام الفعل ، فإن تبديل ما تقتضيه المقتضيات العادية والمعدات ، يحكي عن تمامية قدرة الرب المتعال ، واستقلاله في الفاعلية ، حيث يمكن له التغيير والتبديل في الامور ، إذا أراد وشاء ، فهو تعالى في كل آن في شأن ، ومن المعلوم أن هذا الاعتقاد يوجب التوكل التام عليه في الامور ، والرجاء به ؛ لأن الأمر بيده ، ولم يتم الأمر ولم يفرغ عن الأمر قبل وقوعه ، فكل شيء ما دام لم يقع فله مجال التغيير والتبديل ، وهذا الفكر يؤدي إلى سعة المجال أمام الإنسان للسعي والاستكمال ، بحيث لا يتوقف ولا ييأس من النيل إلى الكمال في أي حال يكون ، كما أن هذا الاعتقاد يمنع الانسان من أن يغتر بوضعه الموجود ، المقتضي للسعادة ، فإن التغيير والتبديل ، بسبب الذنب أو الغفلة أمر ممكن ، فليخفف وليحذر عن الذنوب والغفلات لئلا يسقط ويهلك.

وكيف كان ، فهذا البداء من كمال الايمان ولذلك أخذ الله الاقرار به عن الأنبياء كما عرفت ، بل أوصى الايمان به لغيرهم ، كقول الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «ما عظم الله عزوجل بمثل البداء» (٢) وقوله الآخر أيضا : «لو

__________________

(١) الاصول من الكافي : ج ١ ص ١٤٨.

(٢) بحار الأنوار : ج ٤ ص ١٠٧.

۳۲۰۱