والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد : ﴿يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ومعنى ذلك أنه تعالى قد يظهر شيئا على لسان نبيه ، أو وليه ، أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار ، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولا ، مع سبق علمه تعالى بذلك ، كما في قصة إسماعيل لما رأى أبوه إبراهيم أنه يذبحه.

فيكون معنى قول الإمام ـ عليه‌السلام ـ أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في اسماعيل ولده ، إذ اخترمه قبله ، ليعلم الناس أنه ليس بإمام وقد كان ظاهر الحال أنه الإمام بعده ؛ لأنه أكبر ولده (٣).


(٣) ولا يخفى عليك أن روايات الباب على طوائف : منها تدل على نفي البداء بالمعنى المصطلح عند العامة ، كما أشار المصنف إلى جملة منها ، وأشرنا أيضا إلى بعضها. ومنها تدل على اثبات البداء كما روي بسند صحيح في الكافي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار له بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وأن الله يقدم من (ما ـ خ ل) يشاء ويؤخر من (ما ـ خ ل) يشاء» (١) ، وما روي فيه أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «ما تنبأ نبي قط ، حتى يقر لله بخمس خصال ، بالبداء والمشيئة والسجود والعبودية والطاعة» (٢) وما روي فيه أيضا عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «ما بعث الله نبيا قط إلّا بتحريم الخمر وأن يقر لله بالبداء» (٣).

وهذه الروايات ونظائرها تنافي ما تنفي البداء في بادئ النظر ، ولكن مقتضى التأمل فيها أن الثابت بتلك الأخبار ليس ما ينفيه الأخبار الاخر ، بل

__________________

(١) الاصول من الكافي : ج ١ ص ١٤٧.

(٢) الاصول من الكافي : ج ١ ص ١٤٨.

(٣) الاصول من الكافي : ج ١ ص ١٤٨.

۳۲۰۱