وعلى كل حال فعقيدتنا أن القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى ، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا افراط ولا تفريط فذاك ، وإلّا فلا يجب عليه أن يتكلف فهمه والتدقيق فيه ، لئلا يضل وتفسد عليه عقيدته ؛ لأنه من دقائق الامور ، بل من أدق مباحث الفلسفة التي لا يدركها إلّا الأوحدي من الناس ، ولذا زلت به أقدام كثير من المتكلمين (٦). فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي.


مستندة إليه تعالى. غايته أن أحد الاستنادين في طول الآخر لا في عرضه ، ولا مع انضمامه ، وهذا هو المراد من قوله : «ولكن أمر بين الأمرين».

ثم زاد على معناه الكلامي معناه الفلسفي ومعناه الأخلاقي ، ولكنهما في عين كونهما صحيحين أجنبيان عن ظاهر هذه الجملة ، وبعيد عن مساق الأخبار المذكورة ، وعن ظاهر الكلمات. هذا مضافا إلى أن المعنيين المذكورين ، لا يختصان بالأفعال الاختيارية للإنسان ، إذ الضرورة بالغير جارية في كل ممكن موجود ، كما ان قابلية تغيير الخلق والطينة الموروثة خارجة عن دائرة الأفعال ، ولعل مراده من تفسيره بهما مجرد اقتباس لا تفسير حقيقي له فراجع» (١).

وكيف كان فالمحصل هو أن المراد من الأمر بين الأمرين ، هو المالكية الطولية ، وهي مالكية الله تعالى لمالكية العباد ، فالعباد في عين كونهم مالكين للقدرة والاختيار ، وفاعلين للأفعال بالحقيقة ، مملوكون لله تعالى ، ومعلولون له وليسوا بمفوضين ومستقلين عنه عزوجل ، كما يشهد به الوجدان فلا تغفل.

(٦) يقع البحث في امور : الأول : في معنى القضاء والقدر ، ولا يخفى عليك أن القضاء هو فصل الأمر

__________________

(١) اصول فلسفه : ج ٣ ص ١٦٤.

۳۲۰۱