حاصله أن العبد يكون بملاحظة الأسباب القريبة مستقلا ، وإذا كان مستقلا يصير شريكا مع الله ، مع أنك عرفت قول مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : «وإن زعمت أنك مع الله تستطيع ، فقد زعمت أنك شريك معه في ملكه».

وثالثا : أن هذا التفسير يرجع إلى الجمع بين الجبر والتفويض في الأفعال ، باختلاف الأسباب في القرب والبعد ، مع أن الظاهر من قوله : «ولكن أمر بين الأمرين» أن المراد من الأمر الوسط هو أمر آخر وراءهما لا مجموعهما.

ومما ذكر يظهر الجواب أيضا عن تفسير آخر ، وهو أن المراد من قوله : «أمر بين الأمرين» هو كون بعض الأشياء باختيار العباد وهي الأفعال التكليفية ، وكون بعضها بغير اختياره كالصحة والمرض والنوم واليقظة والذكر والنسيان وأشباه ذلك (١).

وفيه : أن مرجع هذا الجواب إلى التفويض بالنسبة إلى الأفعال التكليفية ، فإنه أراد بهذا ، الجمع بين التفويض والجبر ، فاختص الجبر بالأحوال العارضة ، وهو كما ترى ، إذ التفويض في الأفعال التكليفية مردود بما عرفت من الأدلة العقلية والسمعية. هذا مضافا إلى خروج الأحوال العارضة عن محل النزاع ، على أنك عرفت أن المراد من قوله : «أمر بين الأمرين» ليس مجموعهما ، بل أمر وراءهما ، فكل حمل يؤول إلى الجمع بينهما مردود جدا.

ثم لا يخفى عليك أن الاستاذ الشهيد المطهري ـ قدس‌سره ـ بعد ذهابه إلى ما ذكرناه ، جعله معنى كلاميا لقوله : «أمر بين الأمرين» وقال ما حاصله : «ليست أفعال الإنسان مستندة إليه تعالى ، بحيث يكون الإنسان منعزلا عن الفاعلية والتأثير ، كما ليست مستندة إلى نفس الإنسان بحيث ينقطع رابطة الفعل مع ذاته تعالى ، بل الأفعال في عين كونها مستندة إلى الانسان بالحقيقة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٨٤ نقلا عن بعض.

۳۲۰۱