وذهب قوم آخرون وهم «المفوضة» إلى أنه تعالى فوض الأفعال إلى المخلوقين ورفع قدرته وقضاءه وتقديره عنها ، باعتبار أن نسبة الافعال إليه تعالى تستلزم نسبة النقص إليه وإن للموجودات أسبابها الخاصة وإن انتهت كلها الى مسبب الاسباب والسبب الاول وهو الله تعالى.

ومن يقول بهذه المقالة فقد اخرج الله تعالى من سلطانه وأشرك غيره معه في الخلق (٢).


وقد اشتهرت هذه الجملة في الألسنة من أن الجبر والتشبيه امويان والعدل والتوحيد علويان.

هذا بخلاف الإنسان المعتقد بالاختيار ، فإنه يرى نفسه مسئولا في الامور ، ولذلك الاعتقاد يسعى ويجاهد مع كل ظالم ويصل إلى ما يصل من الحرية والعزة والمجد والسعادة (١).

وقد قال الله تبارك وتعالى : ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٢).

هذا تمام الكلام في الجبر.

(٢) ومن المفوضة أكثر المعتزلة وهم ذهبوا إلى أن الفعل مفوض إلينا ، ولا مدخلية فيه لارادته وإذنه تعالى ، والذي أوجب هذه المزعمة الفاسدة هو الاحتراز عن نسبة المعاصي والكفر والقبائح إليه تعالى ، حيث زعموا أنه لو لم نقل بالتفويض ، لزم استناد القبائح إليه تعالى ، وهو لا يناسب مع جلاله. هذا مضافا إلى أنه لو لم يكن العبد مستقلا في فعله لما صح مدحه وذمه ، على أن المستفاد من الآيات الكثيرة هو استناد أفعال العباد إليهم دونه كقوله تعالى :

__________________

(١) كتاب إنسان وسرنوشت.

(٢) النجم : ٣٩ ـ ٤٠.

۳۲۰۱