فالقول بمعارضة إرادة العباد مع إرادة الله تعالى ، لا يوافق الطولية ، بل مناسب مع الإرادة الاستقلالية ، وهي ممنوعة عندنا.

ورابعا : أن دعوى الجبر وعدم الاختيار لا يساعدها الوجدان ، ضرورة أنا ندرك بالعلم الحضوري قدرتنا على ايجاد الأفعال مع التمكن من الخلاف ، نحن نقدر على التكلم مثلا ونتمكن من تركه ، وهكذا ، والوجدان أدل دليل على وجود الاختيار فينا ، إذ لا خطأ في العلم الحضوري.

لا يقال : إن الإرادة ليست باختيارية ، لانبعاثها عن الأميال الباطنية التي ليست تحت اختيارنا ، بل تكون متأثرة عن العوامل الطبيعية الخارجية ، فلا مجال لاختيارية الافعال ، لانا نقول : إن هذه الأميال معدة لا علة ، فالإرادة مستندة إلى الاختيار ، ويشهد لذلك إمكان المخالفة للأميال المذكورة ، كترك الأكل والشرب ، لغرض إلهي في شهر رمضان ، مع أن الأميال موجودة ، وليس ذلك إلّا لوجود الاختيار ، هذا مضافا إلى أن حصول الترديد والشك عند بعض الأميال ، بالنسبة إلى الفعل أو الترك في بعض الأوقات ، بحيث يحتاج الترجيح إلى التأمل والاختيار ، شاهد آخر على أن الأميال ليست سالبة للاختيار.

ومما ذكر يظهر ما في توهم أن المؤثر التام في الإرادة هو الوراثة ، أو عوامل المحيط الاجتماعي ، ولا مجال للاختيار ، وذلك لما عرفت من أن تلك الامور لا تزيد على الاعداد ، ولا توجب أن تترتب عليها الإرادة ، ترتب المعلول على العلة ، بل غايتها هو الاقتضاء ، بل الإرادة تحتاج إلى ملاحظة الإنسان ، الشيء الذي تقتضيه العوامل المحيطية ، أو الوراثة ، وفائدتها وضررها ، ثم تزاحمهما مع سائر الأميال والموجبات ، ثم الترجيح بينها ، فالإرادة مترتبة على اختيار الانسان (١).

فالمؤثر في الأفعال ارادتنا باختيارنا ، فمن أنكر الإرادة والاختيار ، أنكر ما

__________________

(١) راجع اصول فلسفه : ج ٣ ص ١٥٤ ـ ١٧٣ ، وآموزش عقائد : ج ١ ص ١٧٥.

۳۲۰۱