ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمردين على طاعته ، غير منقادين إلى أوامره ونواهيه (٤).


مما ذكره أهل الكلام ، من أن الانسان يصير بالتكليف مقربا إلى المصالح ومبعدا عن المفاسد ، إذ مقتضاه كما صرح به في المثال المذكور ، أن الإنسان مع قطع النظر عن التكليف يكون متمكنا من السلوك نحو الكمال ، وإنما لا يسلكه إلّا بالتكليف ، مع أن المعلوم خلافه ، إذ الإنسان لا يقدر بدون التكليف والإرشاد الشرعي ، من السلوك نحو الكمال ، وكم من فرق بينهما. فالأولى في مورد التكليف هو القول بأنه يوجب أن يتمكن الإنسان من الامتثال.

(٤) لأن الدلالة على طرق الخير والإرشاد إلى ما فيه الصلاح ، والزجر عما فيه الفساد والضرر ، لطف ورحمة في حق العباد ، ويقتضيه ذاته الكامل ، والتمرد وعدم الاطاعة من العباد ، لا يخرج الدلالة والإرشاد عن كونها لطفا ورحمة ، هذا. مضافا إلى أن الدلالة والإرشاد ، توجب إتمام الحجة عليهم بحيث لا يبقى لهم عذر في المخالفة والتمرد.

لا يقال : إن العقل يكفي لتمييز المصالح عن المفاسد ، لأنا نقول ليس كذلك ، لمحدودية معرفة الإنسان في ما يحتاجه من الامور الدنيوية ، فضلا عن المعنويات ، والعوالم الاخرى كالبرزخ والقيامة ، فالإنسان في معرفة جميع المصالح والمفاسد وطرق السعادة والشقاوة يحتاج إلى الدلالة والإرشاد الشرعي ولا غنى له عنه.

ومما ذكر ينقدح أنه لا مجال أيضا لدعوى كفاية الفطرة ، فإنها محتاجة إلى الاثارة والتنبيه بواسطة الدلالة المذكورة وبدونها لا تكفي لذلك كما لا يخفى.

۳۲۰۱