يمدحه ، ويثني عليه ، وإن لم يكن ذلك الفعل يعود بالنفع لشخص المادح ، وإنما ذلك الجزاء لغاية حصول تلك المصلحة العامة التي تناله بوجه (وهكذا في طرف الاساءة) إلى أن قال : وكل عاقل يحصل له هذا الداعي للمدح والذم ، لغرض تحصيل تلك الغاية العامة ، وهذه القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء من المدح والذم. لأجل تحصيل المصلحة العامة ، تسمى الآراء المحمودة والتأديبات الصلاحية ، وهي لا واقع لها وراء تطابق آراء العقلاء وسبب تطابق آرائهم شعورهم جميعا بما في ذلك من مصلحة عامة.

وهذا هو معنى التحسين والتقبيح العقليين اللذين وقع الخلاف في اثباتهما بين الأشاعرة والعدلية فنفتهما الفرقة الاولى ، وأثبتتهما الثانية ، فإذ يقول العدلية بالحسن والقبح العقليين ، يريدون أن الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة ، التي تطابقت عليها الآراء ، لما فيها من التأديبات الصلاحية ، وليس لها واقع وراء تطابق الآراء.

والمراد من العقل إذ يقولون أن العقل يحكم بحسن الشيء أو قبحه ، هو «العقل العملي» ، ويقابله «العقل النظري». والتفاوت بينهما إنما هو بتفاوت المدركات ، فإن كان المدرك مما ينبغي أن يعلم مثل قولهم : «الكل أعظم من الجزء» الذي لا علاقة له بالعمل يسمى ادراكه «عقلا نظريا» وإن كان المدرك مما ينبغي أن يفعل ويؤتى به ، أو لا يفعل ، مثل حسن العدل وقبح الظلم ، يسمى ادراكه «عقلا عمليا».

ومن هذا التقرير يظهر كيف اشتبه الأمر على من نفى الحسن والقبح ، في استدلالهم على ذلك بأنه لو كان الحسن والقبح عقليين لما وقع التفاوت بين هذا الحكم وحكم العقل بأن الكل أعظم من الجزء ؛ لأن العلوم الضرورية لا تتفاوت ، ولكن لا شك بوقوع التفاوت بين الحكمين عند العقل.

وقد غفلوا في استدلالهم ، إذ قاسوا قضية الحسن والقبح ، على مثل قضية

۳۲۰۱