وأمّا ضرر غير العقوبة (١) : فهو وإن كان محتملا ، إلّا أنّ المتيقّن منه ـ فضلا عن محتمله ـ ليس بواجب الدفع شرعا ولا عقلا ، ضرورة عدم القبح في تحمّل بعض المضارّ ببعض الدواعي عقلا (٢) وجوازه شرعا (٣). مع أنّ احتمال الحرمة أو الوجوب لا يلازم احتمال المضرّة وإن كان ملازما لاحتمال المفسدة أو ترك المصلحة ، لوضوح أنّ المصالح والمفاسد الّتي تكون مناطات الأحكام ـ وقد استقلّ العقل بحسن الأفعال الّتي تكون ذات المصالح وقبح ما كان ذات المفاسد ـ ليست براجعة إلى المنافع والمضارّ ، وكثيرا ما يكون محتمل التكليف مأمون الضرر. نعم ، ربما تكون المنفعة أو المضرّة مناطا للحكم شرعا وعقلا.

إن قلت : نعم ، ولكنّ العقل يستقلّ بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته ، وأنّه كالإقدام على ما علم مفسدته ، كما استدلّ به شيخ الطائفة قدس‌سره على أنّ الأشياء على الحظر أو الوقف (٤).

__________________

ـ موضوع الثانية. وإذا لم تجر قاعدة قبح العقاب بلا بيان في مورد واحتمل الضرر الاخرويّ ـ وهو العقاب ـ فيحكم العقل بلزوم اجتناب ذلك الضرر المحتمل واستحقاق العقوبة على المخالفة في صورة المصادفة للواقع ، سواء قلنا بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل أو قلنا بعدم وجوبه.

وبالجملة : أنّه لو سلّم صحّة أصل قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فلا مجال لها في المقام.

وقال المحقّق الاصفهانيّ : «إنّ قاعدة دفع الضرر ليست قاعدة عقليّة ولا عقلائيّة بوجه من الوجوه. نعم كلّ ذي شعور بالجبلّة والطبع حيث أنّه يحبّ نفسه يفرّ ممّا يؤذيه ، وهذا الفرار الجبلّي ليس ملاكا لمسألة الاحتياط». نهاية الدراية ٢ : ٤٦٧.

(١) أي : الضرر الدنيويّ.

(٢) كبذل المال لجلب اعتماد الناس.

(٣) كجواز بذل المال لإقامة شعائر الدين.

(٤) هكذا في بعض النسخ. وفي بعضها : «على الحظر والوقف». والصحيح أن يقول : «على الوقف» ، فإنّ شيخ الطائفة استدلّ به على الوقف ، لا على الحظر أو الوقف. وإليك نصّ كلامه :«وذهب كثير من الناس إلى أنّها على الوقف ، ويجوّز كلّ واحد من الأمرين فيه ، وينتظر ورود السمع بواحد منهما. وهذا المذهب كان ينصره شيخنا أبو عبد الله رحمه‌الله. وهو الّذي يقوى في نفسي». العدّة في اصول الفقه ٢ : ٧٤٢. ـ

۴۴۳۱