فلو كان مناط الاتّحاد هو نظر العقل ، فلا مجال للاستصحاب في الأحكام ، لقيام احتمال تغيّر الموضوع في كلّ مقام شكّ في الحكم بزوال بعض خصوصيّات

__________________

ـ فإنّه يحكم بأنّهما واحد ويكون التغيّر من حالات الموضوع الواحد ، لا من مقوّماته.

وإنّما المهمّ هو معنى الاتّحاد بحسب دليل الحكم. وتوضيحه : أنّ لسان الدليل الدالّ على ثبوت الحكم في الموضوع مختلف. فقد يكون بحيث لا يمكن جريان الاستصحاب ، وقد يكون بحيث لا مانع من جريانه. مثلا : لو سافر أحد في أوّل الوقت ووصل إلى وطنه آخره ، وشكّ في أنّ الواجب عليه هل هو القصر لكونه مسافرا في أوّل الوقت ، أو التمام لكونه حاضرا في آخره؟ فحينئذ لا بدّ من الرجوع إلى لسان الدليل الدالّ على وجوب القصر ، فتارة يقول المولى : «إنّ المسافر يقصّر» ، واخرى يقول : «انّ المكلّف إن سافر يقصّر». فمفاد الكلامين وإن كان واحدا بحسب المعنى ، وهو وجوب القصر على المسافر ، إلّا أنّ لسانهما مختلف بحسب مقام الإثبات ، فإنّ الموضوع في الأوّل عنوان المسافر ، وفي الثاني هو عنوان المكلّف مع كون السفر شرطا لوجوب القصر عليه. فعلى الأوّل لا يمكن جريان الاستصحاب فيه ، إذ الموضوع لوجوب القصر هو المسافر وهو حين الشكّ حاضر ، فلا يكون الموضوع في القضيّة المتيقّنة والمشكوكة واحدا. وعلى الثاني فلا مانع من جريان الاستصحاب ، إذ الموضوع لوجوب القصر هو المكلّف الّذي سافر ، وهو باق في ظرف الشكّ ، فيكون الموضوع في المتيقّنة والمشكوكة واحد ، فيجري استصحاب وجوب القصر.

ولا يخفى : أنّ الفرق بين النظر العرفيّ والنظر بحسب لسان الدليل أنّ للعرف نظرين :

أحدهما : نظره بما هو أهل المحاورة وفي مقام التفاهم ، فيفهم من الدليل بحسب متفاهم الألفاظ وفي مقام المحاورة أنّ الموضوع للحكم هو الأمر الكذائيّ الّذي تكون الخصوصيّات من مقوّماته ، أو يفهم منه أنّ الموضوع له هو الأمر الكذائيّ الّذي لا تكون الخصوصيّات من مقوّماته ، بل تكون من حالاته ، فيحكم بوحدة الموضوع أو مغايرته بحسب ما يفهم من لفظ الدليل.

ثانيهما : نظره بحسب ما يرتكز لديه من مناسبات الأحكام وموضوعاتها.

وأشار المصنّف رحمه‌الله بالفرق بينهما بقوله الآتي : «كما أنّه ربما لا يكون موضوع الدليل بنظر العرف بخصوصه موضوعا ...» فإنّ كلامه هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أنّه ما المراد من جعل النظر العرفيّ في مقابل النظر بحسب لسان الدليل؟ وما الفرق بينهما؟.

وهذا السؤال قرّ به الأعلام الثلاثة بوجوه مختلفة إيرادا على المقابلة المذكورة ، وأجابوا عنه ، فراجع فوائد الاصول ٤ : ٥٧٥ ، نهاية الأفكار ٤ (القسم الثاني) : ١٠ ، نهاية الدراية ٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

۴۴۳۱