وكذا كلّما إذا كان الشكّ في الأمر التدريجيّ من جهة الشكّ في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى أو أنّه بعد في البين (١).

وأمّا إذا كان من جهة الشكّ في كميّته ومقداره ـ كما في نبع الماء وجريانه وخروج الدم وسيلانه فيما كان سبب الشكّ في الجريان والسيلان الشكّ في أنّه بقي في المنبع والرحم فعلا شيء من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما (٢) ـ فربما يشكل في استصحابهما حينئذ ، فإنّ الشكّ ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا ، بل في حدوث جريان جزء آخر شكّ في جريانه من جهة الشكّ في

__________________

ـ وترتّب عليه وجوب الوفاء بالنذر.

(١) كما إذا علمنا أنّ العين الكذائيّة تستعدّ أن يجري ماؤها إلى ثلاثين أيّام ، ولكن نشكّ بعد مضيّ خمسة أيّام في انقطاع جريانه لمانع ، فنستصحب جريانه.

(٢) لا يخفى : أنّ الشكّ في بقاء الماء في المنبع أو الدم في الرحم تارة يكون مستندا إلى الشكّ في أصل ما يقتضيه الماء والدم الموجودان فيهما من أوّل الأمر ، فيشكّ في أنّه بقي من الموجود فيهما شيء غير ما سال منهما إلى الآن أو لم يبق؟ واخرى يكون مستندا إلى احتمال حدوث مقدار آخر زائد على المقدار المعلوم أوّلا الّذي نعلم بانتفائه ، بأن نحتمل تكوّن مقدار زائد من الماء في المنبع بسبب المطر ، أو نحتمل عرض أمر في باطن الحكم يقتضي سيلان الدم بعد القطع بارتفاع ما كان في الرحم أوّلا ، فيجري الاستصحاب في كلتا الصورتين.

ولكن المحقّق النائينيّ منع عن جريان الاستصحاب في الصورة الأخيرة ، بدعوى أنّها ترجع إلى الوجه الثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، لأنّ الوحدة في الامور التدريجيّة انّما تكون بوحدة الداعي ، فيتعدّد الأمر التدريجيّ ـ كسيلان الماء وجريانه ـ بتعدّد الداعي ، وحيث أنّ الداعي الأوّل ـ في المقام ـ انتفى يقينا وتكون الحركة الحادثة بداع آخر ـ على تقدير وجوده ـ فتصير الحركة متعدّدة ولا يصحّ جريان الاستصحاب حينئذ ، لاختلاف القضيّة المتيقّنة والمشكوكة. فوائد الاصول ٤ : ٤٤١.

وأورد عليه المحقّق العراقيّ بأنّه لو سلّم ما أفاد في مثل المتكلّم فلا مجال لتسليمه في مثل جريان الماء والدم إلّا بتغيّر خصوصيّتهما المتقوّمة عرفا ، وإلّا فمثل اختلاف المبدأ في هذه الامور كمثل اختلاف عمود الخيمة بالنسبة إلى بقاء هيئة الخيمة بحالها ، كما لو شكّ في بقاء هيئة الخيمة من جهة احتمال تكوّن عمود آخر مقام العمود السابق المنتفي قطعا ، فإنّه لا قصور في استصحاب بقاء هيئة الخيمة بحالها. راجع هامش فوائد الاصول ٤ : ٤٤١ ـ ٤٤٢.

۴۴۳۱