فإنّه يقال : هذا إذا لم يكن إيجابه (١) طريقيّا ، وإلّا فهو (٢) موجب لاستحقاق العقوبة على المجهول ، كما هو الحال في غيره من الإيجاب والتحريم الطريقيّين ، ضرورة أنّه كما يصحّ أن يحتجّ بهما (٣) صحّ أن يحتجّ به ويقال : «لم أقدمت مع إيجابه؟» ، ويخرج به عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بهما.

وقد انقدح بذلك : أنّ رفع التكليف المجهول كان منّة على الامّة حيث كان له تعالى وضعه بما هو قضيّته من إيجاب الاحتياط ، فرفعه (٤) ،

__________________

ـ الاحتياط ، ولا يوجب رفع المؤاخذة على التكليف الواقعيّ المجهول. وذلك لأنّ هنا حكمين : (أحدهما) التكليف الواقعيّ المجهول. و (ثانيهما) وجوب الاحتياط في ظرف الجهل بالحكم الواقعيّ. ولمّا كانت المؤاخذة معلولا لوجوب الاحتياط فكان رفع وجوبه علّة لارتفاع المؤاخذة على نفس وجوب الاحتياط ، لا لارتفاع المؤاخذة على التكليف الواقعيّ المجهول. فلا يكون رفع وجوب الاحتياط دليلا على رفع المؤاخذة على التكليف الواقعيّ. وإذن فلا يصحّ مخالفة التكليف الواقعيّ المجهول.

(١) أي : إيجاب الاحتياط.

(٢) الضمير يرجع إلى إيجاب الاحتياط. والأولى أن يقول : «هذا إذا كان إيجابه نفسيّا ، وإلّا فهو ...» أي : عدم كون إيجاب الاحتياط مستتبعا لاستحقاق المؤاخذة على مخالفة التكليف الواقعيّ المجهول موجّه فيما إذا كان إيجاب الاحتياط نفسيّا ، فيقال بثبوت المؤاخذة على مخالفة نفسه. وأمّا إذا لم يكن إيجابه نفسيّا بل كان طريقيّا ـ كما هو الحقّ ـ فإيجابه إنّما يوجب استحقاق المؤاخذة على التكليف الواقعيّ المجهول ، لا على مخالفة نفسه ، إذ الوجوب الطريقيّ تابع للواقع ولا يترتّب عليه غير ما يترتّب على موافقة الواقع ومخالفته.

ولا يخفى عليك : أنّ كون إيجابه طريقيّا ـ بمعنى إيجابه لأصل التحفّظ على الواقع وعدم الوقوع في مخالفة الحرام أو الوجوب ـ لا يخلو من الإشكال. وذلك لما مرّ من أنّ الاصول العمليّة ليست إلّا قواعد فقهيّة ووظائف فعليّة مجعولة تثبت للموضوعات بعد عدم الظفر بما يدلّ على ما يصدر لها من الحكم ابتداء ، لا الدليل الظنيّ ولا الدليل القطعيّ ، فوجوب الاحتياط حكم فعليّ ثبت لمن تتبّع عن حكم موضوع ولم يظفر بدليل عليه ، بحيث ليست وظيفته الفعليّة الحقيقيّة في الحال إلّا الاحتياط.

(٣) بأن يقول المولى : «لم ما طهرت حتّى تصلّي؟» أو يقول : «لم ألقيت نفسك من السطح حتّى تقتل؟».

(٤) أي : أنّ الحكم الواقعيّ يقتضي إيجاب الاحتياط في ظرف الجهل ، فإيجاب الاحتياط ـ

۴۴۳۱