اطمئنانا بالبقاء ، أو ظنّا ولو نوعا ، أو غفلة كما هو الحال في سائر الحيوانات دائما وفي الإنسان أحيانا.

وثانيا : سلّمنا ذلك (١) ، لكنّه لم يعلم أنّ الشارع به راض وهو عنده ماض ، ويكفي في الردع عن مثله ما دلّ من الكتاب (٢) والسنّة (٣) على النهي عن اتّباع غير العلم ، وما دلّ على البراءة أو الاحتياط في الشبهات ، فلا وجه لاتّباع هذا البناء فيما لا بدّ في اتّباعه من الدلالة على إمضائه ، فتأمّل جيّدا (٤).

__________________

(١) أي : استقرار بنائهم على العمل على طبق الحالة السابقة تعبّدا.

(٢) الأنعام / ١١٦ ، يونس / ٣٦ ، الإسراء / ٣٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٧٥ ـ ٨٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

(٤) توضيح ما أفاده يتوقّف على بيان امور :

الأمر الأوّل : أنّ الاستدلال ببناء العقلاء مركّب من صغرى وكبرى ونتيجة :

أمّا الصغرى : فهي أنّ السيرة القطعيّة من العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة ثابتة.

وأمّا الكبرى : فهي أنّ هذه السيرة حجّة ، فإنّ الشارع رضى به حيث لم يردع عنها.

وأمّا النتيجة : فهي أنّ العمل على طبق الحالة السابقة حجّة.

الأمر الثاني : أنّ المصنّف قدس‌سره أورد على الاستدلال صغرويّا وكبرويّا :

أمّا الصغرى : فلعدم ثبوت استقرار بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة تعبّدا ـ أي اعتمادا على الحالة السابقة ـ ، بل يكون منشأ بنائهم عليه أحد الامور العقلائيّة التالية :

الأوّل : أن يكون عملهم رجاء واحتياطا ، كمن يرسل الدرهم إلى ابنه الّذي يعيش في بلد آخر ليصرفه في حوائجه ، وإذا أخبر واحد بموته وشكّ في حياته فيرسل إليه أيضا للرجاء والاحتياط حذرا من وقوعه في المضيقة على تقدير حياته.

الثاني : أن يكون عملهم لأجل اطمئنانهم بالبقاء ، كمن يرسل أموالا إلى تاجر آخر في بلدة اخرى لاطمئنانه بحياته ، لا للاعتماد على مجرّد الحالة السابقة ، ولذا لو زال اطمئنانه بحياته لم يرسل إليه هذه الأموال لما فيه من الخطر.

الثالث : أن يكون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه ، بحيث ليس لهم التفات حتّى يحصل لهم الشكّ ، فيعملون اعتمادا على الحالة السابقة ، كمن يجىء إلى داره بلا التفات إلى بقاء الدار وعدمه.

وبالجملة : فلم يثبت استقرار بناء العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة اعتمادا عليها.

وأمّا الكبرى : فلعدم العلم بأنّ الشارع أمضاه ورضى به ، فإنّ ما دلّ من الكتاب والسنّة ـ

۴۴۳۱