فلا مؤاخذة عليه قطعا (١).

__________________

ـ التكليف هو إيجاب التحفّظ على وجه لا يقع في مخالفة الحرام الواقعيّ». فرائد الاصول ٢ : ٣٤.

ويمكن أن يقال : أنّ الرفع في (ما لا يعلمون) تعلّق بالحكم الواقعيّ رفعا واقعيّا كالرفع في سائر الفقرات في الحديث ، بمعنى أنّ الحكم الواقعيّ ثابت للمكلّف واقعا في ظرف العلم به ، ومرفوع عنه واقعا في ظرف الجهل به ، سواء قلنا بأنّ المنشأ بحديث الرفع هو جعل الحلّيّة الظاهريّة فيكون الرفع كناية عن جعل الحلّيّة في هذا الظرف ـ كما هو ظاهر الحديث ـ أو قلنا بأنّ المنشأ رفع الحكم الواقعيّ فقط.

(١) لا يخفي : أنّ المصنّف رحمه‌الله قال : «فلا مؤاخذة عليه قطعا» ولم يقل : «فيرفع المؤاخذة عليه قطعا».

ولعلّه إشارة إلى أنّ المؤاخذة مرتفعة بارتفاع موضوعها عقلا ، فإنّ موضوعها هو إيجاب الاحتياط الّذي يكون أثر ثبوت الحكم الواقعيّ ، فإذا رفع الحكم الواقعيّ ـ ظاهرا في ظرف الجهل به ـ يرفع إيجاب الاحتياط ، وإذا رفع إيجاب الاحتياط ترتفع المؤاخذة لأجل ارتفاع موضوعها.

وعليه فلا مجال للإشكال الآتي ـ من أنّ المؤاخذة ليست من الآثار الشرعيّة كي ترتفع شرعا برفع الحكم الواقعيّ المجهول ظاهرا ـ ، لأنّ المدّعى ـ حينئذ ـ ليس كون المؤاخذة أثرا شرعيّا ، بل المدّعى أنّها أثر شرعيّ لإيجاب الاحتياط المترتّب على فعليّة التكليف وثبوته في الواقع ، فترتفع عقلا بارتفاع إيجاب الاحتياط المترتّب على عدم فعليّة التكليف.

نعم ، يمكن أن يقال : فعليه تكون المؤاخذة أثرا عقليّا لإيجاب الاحتياط كما يكون رفعها أثرا عقليّا لرفعه ؛ فلا تكون من آثار التكليف المجهول ، لا من آثاره الشرعيّة ولا من آثاره العقليّة ؛ فلا يكاد ترتفع عقلا بارتفاع التكليف الواقعيّ المجهول ظاهرا ، كما لا يكاد ترتفع شرعا بارتفاعه كذلك ، فلا دلالة لحديث الرفع على ارتفاعها.

فأجاب عنه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «فإنّه يقال». وتوضيحه : أنّ المؤاخذة وإن لم تكن أثرا شرعيّا لثبوت التكليف الواقعيّ المجهول ولا اثرا عقليّا له بلا واسطة ، فلا يكون رفعها أثرا شرعيّا لرفعه ، ولا أثرا عقليّا له بلا واسطة ، كي يكون الدليل على رفعه دليلا على رفعها ، إلّا أنّها من آثاره العقليّة مع وساطة إيجاب الاحتياط ، وهو يستتبع استحقاق المؤاخذة على مخالفته ، وترتفع بارتفاع إيجاب الاحتياط الّذي يرتفع برفع التكليف الواقعيّ المجهول في ظرف الجهل ، فكما أنّ استحقاق المؤاخذة مترتّب على فعليّة التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل كذلك عدم استحقاقها مترتّب على عدم إيجابه المترتّب على رفع التكليف الواقعيّ في ظرف الجهل ، فيكون رفع المؤاخذة من الآثار العقليّة لرفع إيجاب الاحتياط بلا واسطة ، ومن الآثار العقليّة لرفع التكليف الواقعيّ بالواسطة ، كما أنّ الدليل على رفع التكليف دليل على رفع إيجاب الاحتياط بلا واسطة ودليل على رفع المؤاخذة بالواسطة.

۴۴۳۱