وأمّا لو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته أو الظنّ به الناشئ من ملاحظة ثبوته ، فلا إشكال في كونه مسألة اصوليّة (١).

__________________

(١) لا يخفى عليك : أنّهم اختلفوا في أنّ البحث عن الاستصحاب هل يكون بحثا عن المسألة الاصوليّة أو يكون بحثا عن القاعدة الفقهيّة؟

والبحث التفصيليّ عن هذا المطلب لا يسعه المقام ، وأشرنا إلى بعض الكلام ذيل التعليقة (١) من الصفحة : ٥ من هذا الجزء. فنكتفي بتوضيح ما أفاد المصنّف قدس‌سره والإشارة إلى ما اختاره بعض الأعلام من المحقّقين المتأخّرين.

أمّا المصنّف قدس‌سره : فأفاد أنّ الاستصحاب من المسائل الاصوليّة ، سواء كان عبارة عن الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شكّ في بقائه وكان من الاصول العمليّة الّتي هي وظيفة الشاكّ ، أو كان عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته أو الظنّ به.

أمّا بناء على الأوّل : فلأنّ الضابط في المسألة الاصوليّة كونها ممهّدة لوقوعها في طريق استنباط الأحكام الفرعيّة ، وهذا ينطبق على الاستصحاب بمعنى الحكم ببقاء الحكم ، فيقال ـ مثلا ـ : «إنّ نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره بنفسه أو بعلاج مشكوك البقاء ، وكلّ مشكوك البقاء باق ، فنجاسة هذا الماء باق».

هذا فيما إذا كان مجرى الاستصحاب حكما فرعيّا ، وأمّا فيما إذا كان مجراه حكما اصوليّا ـ كالحجّيّة ـ فكونه من مسائل علم الاصول أظهر ، إذ لا مجال لتوهّم كونه من القواعد الفقهيّة ، بل جريانه في الحكم الاصوليّ شاهد على عدم كونه من القواعد الفقهيّة.

وأمّا بناء على الثاني : فبناء على كونه عبارة عن بناء العقلاء على بقاء ما علم ثبوته فواضح ، لأنّ البحث عن حجّيّة الاستصحاب ـ حينئذ ـ يرجع إلى البحث عن ثبوت التلازم بين ما علم حدوثه وبين بقائه عند العقلاء وعدمه ، ومعلوم أنّ هذا البحث أجنبيّ عن فعل المكلّف.

وكذا بناء على كونه عبارة عن الظنّ بالبقاء الناشئ من ملاحظة ثبوته سابقا ، فيبحث حينئذ عن حجّيّة هذا الظنّ ، كالبحث عن حجّيّة سائر الظنون ، والبحث عن حجّيّة الظنون من المسائل الاصوليّة لا من المسائل الفقهيّة. هذا ما أفاد المصنّف قدس‌سره.

وتبعه المحقّقان العراقيّ والخمينيّ ، فعدّا الاستصحاب من المسائل الاصوليّة. نهاية الأفكار ٤ : ٦ ، الرسائل ١ : ٧٥.

وتبعه المحقّق الاصفهانيّ أيضا واستدلّ عليه بأنّ الحجّيّة بمعنى الواسطة ، وهي تعمّ الواسطة في إثبات الواقع عنوانا واعتبارا والواسطة في إثبات الواقع أثرا وتنجّزا ، فتعمّ مطلق المنجّزيّة والمعذّريّة ، ويدخل البحث عن منجّزيّة الاحتمال ومعذريّة الجهل في المسائل الاصوليّة.

وعليه فيدخل الاستصحاب في المسائل الاصوليّة. نهاية الدراية ٢ : ٤٠٥ ـ ٤٠٨ و ٣ : ١٥ ـ ١٨. ـ

۴۴۳۱