ولو شكّ في ذلك (١) كان المرجع هو البراءه ، لعدم القطع بالاشتغال ، لا إطلاق الخطاب ، ضرورة أنّه لا مجال للتشبّث به إلّا فيما إذا شكّ في التقييد

__________________

(١) أي : في الابتلاء.

وهذا شروع في بيان حكم الشكّ في الابتلاء. وتوضيح محلّ البحث : أنّه لا شكّ في فعليّة التكليف مع العلم بكون مورد في معرض الابتلاء ، كما لا شكّ في عدم فعليّته مع العلم بكونه خارجا عن محلّ الابتلاء. وانّما الكلام فيما إذا شكّ في مورد هل يكون داخلا في محلّ الابتلاء أو يكون خارجا عنه؟ فهل يرجع إلى إطلاقات أدلّة التكليف ويحكم بشموله للمشكوك أو يرجع إلى أصل البراءة أو يرجع إلى أصل الاحتياط؟

ذهب الشيخ الأعظم الأنصاريّ إلى الأوّل. وتبعه المحقّق النائينيّ بدعوى أنّ إطلاق ما دلّ على حرمة شرب الخمر ـ مثلا ـ يشمل كلتا صورتي الابتلاء به وعدمه ، والقدر الثابت من التقييد والخارج عن الإطلاق عقلا هو ما إذا كان الخمر خارجا عن مورد الابتلاء ، بحيث يلزم استهجان النهي عنه بنظر العرف ، فإذا شكّ في استهجان النهي وعدمه في مورد الشكّ في إمكان الابتلاء به وعدمه فالمرجع هو إطلاق الدليل. راجع فرائد الاصول ٢ : ٢٣٨ ، فرائد الاصول ٤ : ٥٥ ـ ٥٨.

وذهب المصنّف قدس‌سره إلى الثاني. وتبعه السيّد الإمام الخمينيّ في أنوار الهداية ٢ : ٢٢١.

واستدلّ المصنّف قدس‌سره عليه بأنّ فعليّة التكليف منوطة بالابتلاء بالمتعلّق ، فإذا شكّ في الابتلاء به يشكّ في التكليف الفعليّ ، وهو مجرى أصالة البراءة.

ثمّ أشار بقوله : «لا إطلاق الخطاب» إلى عدم صحّة ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ من الرجوع إلى الإطلاقات والحكم بالاجتناب عن المشكوك خروجه عن محلّ الابتلاء. وحاصل ما أفاده : أنّ التمسّك بالإطلاق يتفرّع على صحّة الإطلاق في نفسه ثبوتا ، ومع الشكّ في إمكان الإطلاق ثبوتا لا أثر للإطلاق إثباتا. وهو في المقام مشكوك فيه ، فإذا شكّ في دخول مورد في محلّ الابتلاء يرجع إلى الشكّ في إمكان الإطلاق بالنسبة إليه ، ومع الشكّ في إمكانه ثبوتا لا ينفع الرجوع إلى الإطلاق في مقام الإثبات.

وذهب المحقّق العراقيّ إلى الثالث ، بدعوى رجوع الشكّ المزبور إلى الشكّ في القدرة المحكوم عقلا بوجوب الاحتياط ، فإنّه بعد تماميّة مقتضيات التكليف من طرف المولى وعدم دخل قدرة المكلّف بكلا قسميها ـ من الفعليّة والعاديّة ـ في ملاكات الأحكام يستقلّ العقل بلزوم رعاية الملاك بالاحتياط. نهاية الأفكار ٣ : ٣٤٢.

ثمّ فصّل السيّد المحقّق الخوئيّ بين الشبهة المفهوميّة وبين الشبهة المصداقيّة ، فوافق الشيخ في الاولى والمصنّف في الثانية. مصباح الاصول ٢ : ٣٩٧ ـ ٤٠٠.

۴۴۳۱