نعم ، يختصّ النهي بخلاف ، وهو أنّ متعلّق الطلب فيه هل هو الكفّ أو مجرّد الترك وأن لا يفعل؟ (١) والظاهر هو الثاني.

وتوهّم أنّ الترك ومجرّد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار فلا يصحّ أن يتعلّق به البعث والطلب (٢) ؛ فاسد ، فإنّ الترك أيضا يكون مقدورا ، وإلّا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالإرادة والاختيار (٣).

وكون العدم الأزليّ لا بالاختيار (٤) لا يوجب أن يكون كذلك بحسب البقاء

__________________

ـ وذهب السيّد المحقّق البروجرديّ إلى أنّ مفاد الأمر عبارة عن البعث الإنشائيّ نحو العمل المطلوب. ومفاد النهي عبارة عن الزجر الإنشائيّ عن الوجود. نهاية الأصول : ٢٢٢.

وذهب السيّد المحقّق الخوئيّ إلى أنّهما مختلفان بحسب المعنى ومتّفقان في المتعلّق ، فإنّ الأمر معناه الدلالة على ثبوت شيء في ذمّة المكلّف ، والنهي معناه الدلالة على حرمانه عنه. المحاضرات ٤ : ٨٧ ـ ٨٩.

(١) والفرق بين الكفّ ومجرّد الترك أنّ الكفّ أمر وجوديّ ، لأنّ معناه صرف النفس عن إرادة الفعل. وأمّا الترك فهو أمر عدميّ ويصدق على مطلق العدم. نعم ، صرف النفس عن إرادة الفعل مستلزم للترك.

وذهب إلى الأوّل أكثر العامّة كما ذهب إلى الثاني أكثر الإماميّة. فراجع شرح العضديّ ١ : ١٠٣ ، المحصول في علم اصول الفقه ١ : ٣٥٠ ، إرشاد الفحول : ١٠٩ ، قوانين الاصول ١ : ١٣٧ ، الفصول الغرويّة : ١٢٠ ، فوائد الاصول ٢ : ٣٩٤.

(٢) هذا ما توهّمه العضديّ في شرحه على مختصر ابن الحاجب ١ : ١٠٣. وحاصله : أنّه لو كان متعلّق النهي نفس أن لا تفعل والترك لكان هذا خارجا عن الاختيار ، إذ العدم حاصل بنفس عدم علّته ، فليس مقدورا له حتّى يصحّ تعلّق النهي به.

(٣) حاصل الجواب : أنّ الترك ليس خارجا عن تحت الاختيار ، وإلّا يلزم أن لا يكون الوجود والفعل مقدورا. بيان ذلك : أنّه لا معنى لمقدوريّة الوجود إلّا أنّ للفاعل أن يوجد الشيء وأن لا يوجده ، فإذا تعلّق مشيئته بوجوده يوجد وإذا لم يتعلّق مشيئته بالوجود لا يوجد. وعدم الوجود ملازم لبقاء العدم السابق. فكما كان الفاعل قادرا على إيجاد الشيء كذلك كان قادرا على عدم إيجاده المستلزم لبقاء العدم السابق ، والقدرة على الملزوم قدرة على اللازم ، وهذا معنى اختياريّة العدم. وإن لم يكن ترك الشيء وعدمه اختياريّا فلا يكون الفاعل قادرا على عدم إيجاده ، وإذا لم يكن قادرا على عدم إيجاده كان موجبا بالنسبة إلى إيجاده ، وهو كما ترى.

(٤) هذا إشارة إلى ما استدل به المتوهّم على كون العدم غير مقدور. وتوضيحه : أنّ الشيء ـ

۴۱۹۱