المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار ، والعقل قد استقلّ بأنّ الممنوع شرعا كالممتنع عادة أو عقلا؟! (١)

قلت : أوّلا : إنّما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم العقل بلزومه (٢) إرشادا إلى ما هو أقلّ المحذورين. وقد عرفت (٣) لزومه بحكمه ، فإنّه مع لزوم الإتيان بالمقدّمة عقلا لا بأس في بقاء (٤) ذي المقدّمة على وجوبه ، فإنّه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع ، كما إذا كانت المقدّمة ممتنعة (٥).

وثانيا : لو سلّم فالساقط إنّما هو الخطاب فعلا بالبعث والإيجاب ، لا لزوم إتيانه عقلا ، خروجا عن عهدة ما تنجّز عليه سابقا ، ضرورة أنّه لو لم يأت به لوقع

__________________

(١) حاصل الإشكال : أنّه كيف تقع المقدّمة ـ كالخروج والشرب ـ حراما شرعا ومعاقبا عليه عقلا مع بقاء ذي المقدّمة ـ وهو التخلّص عن الغصب وعدم الوقوع في المهلكة ـ على الوجوب؟! ضرورة أنّه لا يمكن الجمع بين حرمة المقدّمة ووجوب ذيها ، فإنّ حرمة المقدّمة المنحصرة تنافي التكليف بما يتوقّف عليها ، لأنّه تكليف بما لا يطاق. فلا بدّ إمّا من سقوط الوجوب عن ذي المقدّمة ولم يلتزم به أحد في المقام ، وإمّا من سقوط حرمة المقدّمة ، فلا يكون مثل الخروج والشرب حراما ، وهو المطلوب.

(٢) أي : لزوم الممتنع شرعا.

(٣) في الصفحة السابقة ، حيث قال : «وإن كان العقل يلزمه إرشادا ...».

(٤) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «لا بأس ببقاء ...».

(٥) توضيح الجواب الأوّل : أنّ المراد من قاعدة «الممنوع شرعا كالممتنع عقلا» أنّ المقدّمة الممنوعة شرعا نظير المقدّمة الممتنعة عقلا في عدم القدرة على الإتيان بها ، وبامتناعها يمتنع التكليف بذي المقدّمة الّذي لا يمكن إتيانه إلّا بعد إتيان المقدّمة ، لأنّه من التكليف بغير المقدور.

ولكن هذه القاعدة إنّما تجري فيما إذا لم يحكم العقل بلزوم إتيان الممنوع شرعا ، وأمّا إذا حكم العقل بلزوم إتيانه ـ ولو كان ممنوعا شرعا ـ فلا بأس بأن لا يكون كالممتنع عقلا ، إذ لا يكون التكليف به ـ حينئذ ـ من التكليف بالممتنع. كيف ويحكم العقل بلزوم إتيانه إرشادا إلى ما هو أقلّ المحذورين؟ وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ الخروج عن الدار المغصوبة وإن كان ممنوعا شرعا بالنهي السابق إلّا أنّ العقل يحكم بإتيانه ، لكون ارتكابه أقلّ محذورا من البقاء في المغصوب.

۴۱۹۱