__________________

ـ المقصود ، فإنّ غرضنا من هذه التعليقة هو إيضاح مبهمات الكتاب وذكر ما يوجب رشد أذهان الفضلاء ويؤثّر في سوقهم إلى التحقيق والتدقيق ، ليتهيّئوا بذلك للانتفاع بالدراسات العالية إن شاء الله. فنكتفي بذكر ما أفاده الأعلام الثلاثة وبعض تلامذتهم حول ما ذكره المصنّف في المقام.

أمّا المحقّقان العراقيّ والنائينيّ : فأفادا عدم رادعيّة الآيات عن السيرة بما حاصله : أنّ العمل بخبر الواحد في طريقة العقلاء يرجع إلى أنّهم يرون العمل به من أفراد العمل بالعلم ، لا من أفراد العمل بالظنّ. وأنّهم لا يعتنون باحتمال الخلاف ، لما قد جرت على إلغاء احتمال الخلاف طباعهم واستقرّت عليه عادتهم. فالعمل بخبر الواحد خارج عن موضوع الآيات الناهية ـ وهو العمل بالظنّ ـ ، فلا تصلح الآيات الناهية عن العمل بالظنّ لأن تكون رادعة عن العمل بخبر الثقة. نهاية الأفكار ٣ : ١٠٣ و ١٣٨ ، فوائد الاصول ٣ : ١٦١ ـ ١٩٥.

ثمّ إنّ ظاهر كلام المحقّق النائينيّ أنّه سلّم صحّة دعوى دوريّة رداعيّة الآيات عن السيرة لو أغمضنا النظر عن دعوى الانصراف وخروج السيرة عن الآيات. فلا بدّ من القول بأنّ السيرة حاكمة على الآيات ، والمحكوم لا يصلح للرادعيّة عن الحاكم. راجع فوائد الاصول ٣ : ١٦٢.

وأمّا المحقّق العراقيّ : فصرّح بعدم صحّة تلك الدعوى ولو أغمض النظر عن دعوى الانصراف وخروج السيرة موضوعا عن الآيات الكريمة. فقال : «حجّيّة السيرة بعد أن كانت معلّقة على عدم الردع عنها يكون عدم الردع في المرتبة السابقة عن حجّيّتها ، لأنّه بمنزلة شرطها. وحينئذ ففي المرتبة السابقة على حجّيّتها تجري أصالة العموم في الآيات الناهية ، فتوجب خروج مثلها عن الحجّيّة ، بلا محذور دور». نهاية الأفكار ٣ : ١٠٣ ـ ١٠٤.

وأمّا المحقّق الاصفهانيّ : فأطال الكلام في المقام بتقريب الدور ودفعه بوجه آخر. ثمّ أفاد تقديم السيرة على عموم الآيات ، لعدم بناء العقلاء على العمل بالعامّ في قبال الخاصّ ، وقال : «ويؤيّد تقديم السيرة على العمومات ويؤكّده أنّ لسان النهى عن اتّباع الظنّ وأنّه لا يغني من الحقّ شيئا ليس لسان التعبّد بأمر على خلاف الطريقة العقلائيّة ، بل من باب إيكال الأمر إلى عقل المكلّف من حيث أنّ الظنّ بما هو ظنّ لا مسوّغ للاعتماد عليه والركون إليه. فلا نظر إلى ما استقرّت عليه سيرة العقلاء بما هم عقلاء على اتّباعه من حيث كونه خبر الثقة. ولذا كان الرواة يسألون عن وثاقة الراوي للفراغ عن لزوم اتّباع روايته بعد فرض وثاقته». نهاية الدراية ٣ : ٣٦.

وإن شئت الاطّلاع على تفصيل ما أفاده فراجع نهاية الدراية ٢ : ٢٣٢ ـ ٢٣٧ و ٣ : ٢٩ ـ ٣٦.

وأمّا السيّد المحقّق الخوئيّ : فدفع توهّم كون الآيات رادعة عن السيرة بوجوه :

الأوّل : أنّ عمل الصحابة والتابعين بخبر الثقة غير قابل للإنكار ، كما أنّ استمراره بين المتشرّعة وأصحاب الأئمّة عليهم‌السلام بعد نزول الآيات مقطوع به. فلو كانت الآيات رادعة عن ـ

۴۱۹۱