من شمول مثل الآية للخبر الحاكي للخبر بنحو القضيّة الطبيعيّة (١) ، أو لشمول الحكم فيها له مناطا وإن لم يشمله لفظا ، أو لعدم القول بالفصل ، فتأمّل جيّدا.

[الدليل الثاني : آية النفر]

ومنها : آية النفر. قال الله تعالى : ﴿فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ... الآية (٢).

وربما يستدلّ بها من وجوه :

أحدها : أنّ كلمة «لعلّ» (٣) وإن كانت مستعملة على التحقيق في معناها الحقيقيّ ـ وهو الترجّي الإيقاعيّ الإنشائيّ (٤) ـ ، إلّا أنّ الداعي إليه حيث يستحيل في حقّه «تعالى» أن يكون هو الترجّي الحقيقيّ كان هو محبوبيّة التحذّر عند الإنذار ، وإذا ثبت محبوبيّته ثبت وجوبه شرعا لعدم الفصل (٥) ، وعقلا لوجوبه مع وجود ما يقتضيه وعدم حسنه(٦) ـ بل عدم إمكانه ـ بدونه (٧).

ثانيها : أنّه لمّا وجب الإنذار ـ لكونه غاية للنفر الواجب ، كما هو قضيّة كلمة

__________________

(١) وفي بعض النسخ : «نحو القضيّة الطبيعيّة». والأولى ما اثبتناه.

(٢) وإليك تمام الآية : ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ. التوبة / ١٢٢.

(٣) الواردة في آخر الآية الكريمة : ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

(٤) وأنكر المحقّق الاصفهانيّ كون كلمة «لعلّ» للترجّي ، وادّعى أنّها كلمة الشكّ كما في صحاح الجوهريّ ، فيكون مرادفها في الفارسيّة «شايد» ، لا «اميد». راجع نهاية الدراية ٢ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، والصحاح ٥ : ١٨١٥.

(٥) أى : عدم الفصل بين محبوبيّة الشيء عند الله وبين وجوبه ، فإنّ كلّ من قال بمحبوبيّته قال بوجوبه. هكذا أفاد الشيخ في فرائد الاصول ١ : ٢٧٧.

(٦) عطف على قوله : «لوجوبه».

(٧) أي : وإذا ثبتت محبوبيّة الشيء ثبت وجوبه عقلا ، لأنّه إمّا أن يكون مقتضى العقاب والحذر موجودا أو لا. فعلى الأوّل وجب الحذر. وعلى الثاني لا يحسن الحذر أصلا ، بل لا يمكن.

وهذا ما أفاده صاحب المعالم في معالم الدين : ٤٧.

۴۱۹۱