واقعا ، عدم حجّيّته جزما ، بمعنى عدم ترتّب الآثار المرغوبة من الحجّة عليه قطعا ، فإنّها لا تكاد تترتّب إلّا على ما اتّصف بالحجّيّة فعلا ، ولا يكاد يكون الاتّصاف بها إلّا إذا احرز التعبّد به وجعله طريقا متّبعا ، ضرورة أنّه بدونه (١) لا يصحّ المؤاخذة على مخالفة التكليف بمجرّد إصابته ، ولا يكون عذرا لدى مخالفته مع عدمها ، ولا تكون مخالفته تجرّيا ، ولا تكون موافقته بما هي موافقته انقيادا ، وإن كانت بما هي محتملة لموافقة الواقع كذلك (٢) إذا وقعت برجاء إصابته. فمع الشكّ في التعبّد به يقطع بعدم حجّيّته وعدم ترتيب شيء من الآثار عليه ، للقطع بانتفاء الموضوع معه. ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان أو إقامة برهان.

وأمّا صحّة الالتزام (٣) بما أدّى إليه من الأحكام وصحّة نسبته إليه «تعالى»

__________________

(١) أي : بدون الإحراز.

(٢) أي : انقيادا.

(٣) تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث استدلّ على نفي حجّيّة المشكوك بما دلّ على عدم جواز الإسناد والاستناد بالشيء مع عدم العلم بحجّيّته. وتوضيحه : أنّ للحجّة أثران :

(أحدهما) صحّة الاستناد إليها في مقام العمل. (ثانيهما) صحّة إسناد مؤدّاها إلى الشارع. وهذا الأثران لا يترتّبان على الشيء مع عدم العلم بحجّيّته ، لأنّ الاستناد إلى مشكوك الحجّيّة في مقام العمل وإسناد مؤدّاه إلى الشارع تشريع عمليّ وقوليّ ، وهو محرّم بالأدلّة الأربعة. فرائد الاصول ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

واستشكل عليه المصنّف رحمه‌الله بقوله : «فليسا من آثارها ...». وحاصله : أنّ إسناد مؤدّى الأمارة إلى المولى والاستناد إليها في مقام العمل ليسا من الآثار المترتّبة على الحجّيّة ، بل بينهما عموم من وجه ، فقد ثبتت الحجّيّة للشيء ولا يجوز إسناد مؤدّاه إلى الشارع كالظنّ على الحكومة ، وقد لا تثبت الحجّيّة له ويجوز إسناده إلى الشارع لو دلّ دليل على صحّة الإسناد حينئذ.

والمحقّق النائينيّ خالف المصنّف رحمه‌الله في جهة ووافقه في جهة اخرى :

الجهة الأولى : إشكاله على الشيخ الأنصاريّ. فناقش فيه بأنّ معنى حجّيّة الأمارة كونها وسطا في إثبات متعلّقها ، فتكون كالعلم ويترتّب عليها جواز الاستناد كما يترتّب على العلم.

وعليه فجواز الاستناد من لوازم الحجّيّة ، فانتفائه يكشف عن انتفاء الحجّيّة.

الجهة الثانية : أصل المدّعى من أنّ الشكّ في الحجّيّة يلازم القطع بعدم الحجّيّة. وافقه في هذا المدّعى ، لكنّه ذكر أنّه ليس المراد أخذ الحجّيّة في موضوعها بحيث لا تكون حجّة ـ

۴۱۹۱