الإذن في الإقدام والاقتحام ينافي المنع فعلا ، كما فيما صادف الحرام ، وإن كان الإذن فيه لأجل عدم مصلحة فيه (١) ، لا لأجل عدم مصلحة أو مفسدة ملزمة في المأذون فيه ، فلا محيص في مثله إلّا عن الالتزام (٢) بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية أيضا ، كما في المبدأ الأعلى ، لكنّه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعيّ بفعليّ ، بمعنى كونه على صفة ونحو لو علم به المكلّف لتنجّز عليه ، كسائر التكاليف الفعليّة الّتي تتنجّز بسبب القطع بها. وكونه فعليّا إنّما يوجب البعث أو الزجر في النفس النبويّة أو الولويّة فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لأجل مصلحة فيه.

فانقدح بما ذكرنا : أنّه لا يلزم الالتزام بعدم كون الحكم الواقعيّ في مورد

__________________

ـ قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء لك حلال ...» ـ إباحة فعليّة وترخيص حقيقيّ في الاقتحام في الشبهة من الشارع ، كالترخيص في المباحات الواقعيّة. وعليه فلا يجتمع الإباحة الشرعيّة والإذن في الإقدام مع المنع فعلا ـ كما فيما صادف الحرام ـ ، ولو كان حكم الإباحة عن مصلحة في نفسه ، وإلّا يلزم منه اجتماع الحكمين الفعليّين المتضادّين فيما إذا كان الواقع هو الحرمة ، أو اجتماع الحكمين الفعليّين المتماثلين فيما إذا كان الواقع هو الحلّيّة والإباحة.

وبالجملة : اختلاف المنشأ لا يدفع غائلة الاجتماع في مثل أصالة الإباحة من الاصول التعبّديّة.

الثاني : أنّ الغائلة في المقام يدفع بوجه آخر. وحاصله : أنّ الأحكام الفعليّة على قسمين :

أحدهما : الأحكام الفعليّة المنجّزة. وهي الأحكام الّتي تكون تام الفعليّة من جميع الجهات ، فلا تكون فعليّتها معلّقة على شيء.

ثانيهما : الأحكام الفعليّة التعليقيّة. وهي الأحكام الّتي لا تكون تامّ الفعليّة ، فلا تتعلّق الإرادة بمتعلّقها إلّا معلّقا على أمر.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الحكم الّذي أدّت إليه الاصول التعبّديّة حكم فعليّ منجّز. بخلاف الحكم الواقعيّ ، فإنّه فعليّ معلّق على عدم ثبوت الإذن على خلافه. فإذا كان هناك إذن فعليّ ـ كما في موارد أصالة الإباحة ـ لم يكن الحكم الواقعيّ فعليّا من جميع الجهات ، فلا يكون الواقع مرادا ، إلّا إذا لم يثبت الإذن في الاقتحام في مورده لأجل مصلحة فيه.

وأورد المحقّق الأصفهانيّ على هذا الوجه أيضا. فراجع كلامه في نهاية الدراية ١ : ١٤٧.

(١) أي : في نفس الحكم والإذن.

(٢) هكذا في النسخ. والصحيح أن يحذف كلمة «إلّا». وذلك لأنّ المراد أنّه لا بدّ في دفع غائلة اجتماع الحكمين في المقام من الالتزام بعدم انقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادئ العالية ، فلا مفرّ في المقام عن الالتزام المذكور.

۴۱۹۱