[القول الثاني وبيان ضعفه]

وأمّا احتمال أنّه بنحو الاقتضاء بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعيّة ، وبنحو العلّيّة بالنسبة إلى الموافقة الاحتماليّة وترك المخالفة القطعيّة (١) ، فضعيف

__________________

ـ إلّا بعد وصوله إلى العبد ، وهو يتحقّق بالعلم الإجماليّ كما يتحقّق بالعلم التفصيليّ ، فإنّ العلم الإجماليّ لا يفارق التفصيليّ في حقيقة انكشاف أمر المولى ونهيه ، ولمّا كان الملاك في استحقاق العقاب هتك حرمة المولى والظلم عليه ـ بالخروج عن رسم الرقّيّة ومقتضيات العبوديّة ـ وهو منطبق على المخالفة للحكم المعلوم ولو لم يعلم طرف المعلوم تفصيلا ، كان العلم الإجماليّ منجّزا للتكليف وعلّة تامّة له. راجع نهاية الدراية ٢ : ٩٢ ـ ٩٨ و ٥٧٨ ـ ٥٨٤.

وأمّا المحقّق العراقيّ : فذهب أيضا إلى أنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة لانكشاف الحكم الواقعيّ ومنجّز له مطلقا. واستدلّ عليه بأنّ الوجدان يقضي بمناقضة العلم الإجماليّ لجريان الاصول في أطرافه وقبح الترخيص في مخالفته ، وهو أمر مرتكز يكشف عن علّيّة العلم الإجماليّ لإثبات الاشتغال بالتكليف وتنجيزه. نهاية الأفكار ٣ : ٤٦.

(١) لا يخفى : أنّ المحقّق النائينيّ نسب هذا التفصيل إلى الشيخ الأعظم الأنصاريّ. ولكن المحقّق العراقيّ نسب إليه القول بأنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة للتنجّز مطلقا ، واستشهد على النسبة ببعض كلمات الشيخ. فراجع فوائد الاصول ٢ : ٣٦ ، ونهاية الأفكار ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١.

والتحقيق : أنّ كلمات الشيخ في المقام مضطربة. فيستفاد من بعضها أنّه يرى تأثير العلم الإجماليّ في الموافقة القطعيّة بنحو الاقتضاء ، كقوله : «إذن الشارع في أحد المشتبهين ينافي حكم العقل بوجوب امتثال التكليف المعلوم المتعلّق بالمصداق المشتبه ، لإيجاب العقل حينئذ الاجتناب عن كلا المشتبهين. نعم ، لو أذن الشارع في ارتكاب أحدهما مع جعل الآخر بدلا عن الواقع في الاجتزاء بالاجتناب عنه جاز ...». فرائد الاصول ٢ : ٢٠٤. فإنّ ظهوره في تأثير العلم الإجماليّ بنحو الاقتضاء واضح ، إذ لو كان علّة له لم يصحّ إذن الشارع في ارتكاب بعض الأطراف.

ويستفاد من بعض آخر من كلماته أنّ تأثيره بنحو العلّيّة التامّة ، حيث قال ـ في الجواب عن توهّم جريان أصالة الحلّ في كلا المشتبهين والتخيير بينهما ـ : «قلت : أصالة الحلّ غير جارية هنا بعد فرض كون المحرّم الواقعيّ مكلّفا بالاجتناب عنه منجّزا ـ على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه ـ ، لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقينيّ بترك الحرام الواقعيّ هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين حتّى لا يقع في محذور فعل الحرام ... فلا يبقى مجال للإذن في فعل أحدهما». فرائد الاصول ٢ : ٢١١ ـ ٢١٢. وقال أيضا : «قلت : العلم الإجماليّ كالتفصيليّ علّة تامّة لتنجّز التكليف بالمعلوم ، إلّا أنّ المعلوم إجمالا يصلح لأن يجعل ـ

۴۱۹۱