وأمّا بحسب مقام الدلالة والإثبات : فالروايتان الدالّتان على الحكمين متعارضتان إذا احرز أنّ المناط من قبيل الثاني (١) ، فلا بدّ من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير (٢) ، وإلّا فلا تعارض في البين ، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين. فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا لكونه أقوى مناطا ، فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجّحات الروايات أصلا ، بل لا بدّ من مرجّحات المقتضيات المتزاحمات ، كما تأتي الإشارة إليها (٣).

__________________

(١) يعني : لم يكن للمتعلّقين مناط أحد الحكمين.

(٢) هكذا في النسخ ، والأولى أن يقول : «أو التخيير».

(٣) في التنبيه الثاني من تنبيهات الفصل.

وحاصل ما أفاده المصنّف في المقام : أنّ ملاك التعارض بين الدليلين في مقام الإثبات هو أن يكون مورد الاجتماع مشتملا على مناط أحد الحكمين دون الآخر. وأمّا إذا كان مورد الاجتماع مشتملا على مناط كليهما معا فتقع المزاحمة بين المقتضيين. وحينئذ لا بدّ من الرجوع إلى مرجّحات باب التزاحم من الأهمّيّة وغيرها. ولا وجه للرجوع إلى مرجّحات باب التعارض. وعليه تكون مسألتنا هذه من صغريات باب التزاحم.

ولكن أورد عليه المحقّق النائينيّ من وجهين :

الأوّل : ما مرّ آنفا في التعليقة (٦) من الصفحة المتقدّمة.

الثاني : أنّ ما ذكره يستلزم عدم تحقّق مورد للتعارض أصلا ، لأنّ انتفاء الملاك في أحد الحكمين لا يمكن استكشافه من نفس الدليلين ، فلا بدّ في استكشافه من دليل خارجيّ ، وهو ـ مع ندرته ـ على فرض وجوده لا يوجب التعارض.

ثمّ ذهب إلى أنّ مناط دخول المجمع في باب التعارض أن يكون التركيب بين متعلّقي الأمر والنهي اتّحاديّا وتكون الحيثيّتان تعليليّتين ، لأنّه حينئذ لا مناص عن القول بالامتناع ويتكاذبان. وأمّا إذا كان التركيب بينهما انضماميّا وتكون الحيثيّتان تقييديّتين فيدخل الدليلان في مسألة الاجتماع مع المندوحة ، وفي باب التزاحم مع عدم المندوحة. أجود التقريرات ١ : ٣٥٦ ـ ٣٦١.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئيّ حسّن الإيراد الأوّل ، وأجاب عن الإيراد الثاني بأنّه إذا دلّ دليل على وجوب شيء والآخر على حرمته فالدليلان وإن يكونا متعارضين في اشتمال ذلك الشيء على ملاك الوجوب أو الحرمة ، إلّا أنّه يكفي في دخولهما في باب التعارض ـ أي تعارضهما في مدلوليهما ـ. أجود التقريرات ١ : ٣٥٦.

۴۱۹۱