نعم ، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل كان من التوفيق بينهما حمله على أنّه سيق في مقام الإهمال على خلاف مقتضى الأصل ، فافهم.

ولعلّ وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعيينيّ أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق (١).

وربما يشكل (٢) بأنّه يقتضي التقييد في باب المستحبّات ، مع أنّ بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيّد فيها على تأكّد الاستحباب (٣). اللهمّ إلّا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبيّة ، فتأمّل ؛ أو أنّه كان بملاحظة التسامح في أدلّة المستحبّات ، وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق ـ بعد مجيء دليل المقيّد ـ وحمله على تأكّد استحبابه من التسامح فيها (٤).

__________________

ـ الاستحباب إنّما يقتضي كون الفعل مستحبّا فيما إذا لم يجتمع مع ما يقتضي وجوبه ، وإلّا فمجرّد ثبوت ملاك الاستحباب في الفعل لا يقتضي كونه مستحبّا ، بل يكون الفعل ـ حينئذ ـ من أفضل أفراد الواجب. نظير استحباب الجماعة في الصلوات الواجبة ، فإنّ صلاة الجماعة واجبة ، ولا معنى لاستحبابها إلّا كونها أفضل أفراد الواجب. والمقام من هذا القبيل ، لأنّ ملاك الوجوب ثابت في المقيّد من جهة أنّه أحد أفراد المطلق ، وثبوت ملاك الوجوب فيه يمنع عن حمله على الاستحباب ، بل إنّما يحمل على أنّ المقيّد أفضل أفراد الواجب ، ولا يوجب تجوّزا.

(١) لا يخفى : أنّ ظهور الصيغة في الوجوب التعيينيّ ظهور إطلاقيّ ـ كما مرّ في الجزء الأوّل : ١٤٨ ـ. وعليه فيدور الأمر بين الإطلاقين ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

(٢) أي : يشكل توجيه التقييد بأقوائيّة ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعيينيّ من ظهور المطلق في الإطلاق.

(٣) أي : يلزم من التوجيه المذكور الحكم باستحباب خصوص المقيّد دون المطلق في باب المستحبّات ، كما إذا ورد استحباب زيارة مولانا الحسين عليه‌السلام بنحو الإطلاق ، ثمّ ورد استحبابها في يوم عرفة ، فلو كان ظهور إطلاق الصيغة في التعيينيّ أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق وكان مقتضاه تقييد المطلق يلزم الحكم باستحباب زيارته عليه‌السلام في خصوص يوم عرفة ، وهو خلاف المشهور ، فإنّهم بنوا فيها على حمل المقيّد على تأكّد الاستحباب.

(٤) ولا يخفى : أنّه لو كان حمل المطلق على المقيّد جمعا عرفيّا كان قضيّته عدم الاستحباب إلّا للمقيّد ، وحينئذ إن كان بلوغ الثواب صادقا على المطلق كان استحبابه تسامحيّا ، وإلّا ـ

۴۱۹۱