اطّلاعه على حقيقة الحال وأنّه ينسخ في الاستقبال ، أو مع عدم اطّلاعه على ذلك ، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى (١). ومن هذا القبيل لعلّه يكون أمر إبراهيم عليه‌السلام بذبح إسماعيل عليه‌السلام.

وحيث عرفت : أنّ النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا وإن كان بحسب الظاهر رفعا ، فلا بأس به مطلقا ، ولو كان قبل حضور وقت العمل ، لعدم لزوم البداء المحال في حقّه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغيّر إرادته تعالى مع اتّحاد الفعل ذاتا وجهة (٢) ، ولا لزوم (٣) امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ ، فإنّ

__________________

(١) كما في القرآن الكريم : ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ الأعراف / ١٨٨.

(٢) إشارة إلى أحد الوجوه الّتي استدلّ بها على امتناع النسخ. وحاصله : أنّ النسخ يستلزم البداء الباطل المستحيل في حقّه تعالى ، لأنّ إثبات حكم في زمان ورفعه في زمان آخر يستلزم تعلّق إرادة الواجب تعالى بفعل في زمان وتعلّق إرادته تعالى بتركه في زمان آخر من دون أيّ تغيّر في الفعل ، لا في أجزائه ولا أركانه ولا الجهة الّتي لها دخل في المصلحة الداعية للأمر به ، وهذا هو البداء الباطل والمحال في حقّه تعالى ، لأنّه مستلزم لجهله.

ثمّ أجاب المصنّف رحمه‌الله عنه بقوله : «وذلك لأنّ الفعل ...» وحاصله : أنّ الاستدلال بما ذكر إنّما يتمّ على القول بأنّ النسخ رفع الحكم. وأمّا بناء على القول بأنّه دفع الحكم فلا يتمّ ، لعدم لزوم البداء المحال في حقّه تعالى ، ضرورة أنّه حينئذ تعلّقت إرادته الجدّيّة من أوّل الأمر بتركه بعد مدّة ، فلم تتغيّر إرادته.

(٣) هكذا في النسخ المخطوطة الّتي بأيدينا. وفي بعض النسخ المطبوعة : «وإلّا لزم». وما في المتن أنسب للمقام. وعليه يكون قوله : «ولزوم» معطوفا على قوله : «لعدم لزوم البداء الحال» وإشارة إلى الوجه الثاني من الوجوه الّتي استدلّ بها على استحالة النسخ بعد ما أشار إلى الوجه الأوّل منها بقوله : «لعدم لزوم البداء المحال». وحاصله : أنّ ما أثبته الله تعالى من الأحكام تابعة للمصالح أو المفاسد الّتي في متعلّقها. وما له مصلحة في ذاته لا ينقلب عمّا هو عليه فيكون ذا مفسدة ، وكذلك العكس ، وإلّا لزم انقلاب الحسن قبيحا وانقلاب القبيح حسنا ، وهو محال. ومن هنا يظهر استحالة النسخ ، لأنّ الفعل إن كان ذا مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه إلّا إذا صار ذا مفسدة ، وما له مصلحة في ذاته لا يصير ذا مفسدة ، للزوم انقلاب الحسن قبيحا ؛ كما أنّ الفعل إذا كان ذا مفسدة موجبة للنهى عنه امتنع الأمر به إلّا ـ

۴۱۹۱